المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هكذا كان صلى الله عليه وسلم في رمضان ..



أم خيرية
09-01-2009, 07:58 AM
السلام عليكم كيف حالكم أعضاء
نت حزنة تقبل الله منكم الصيام والقيام وصالح الاعمال والاقوووال


أمر الله تعالى عباده باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأوجب عليهم طاعته . وسبيل العبد للوصول إلى تحقيق ذلك هو التعرف على هديه صلى الله عليه وسلم ، والحال التي كان عليها صلى الله عليه وسلم في شأنه كافة . وليس بخاف على مسلم أن الهدي النبوي هو أكمل ما عُرف من هدي وأعظمه ، وأنه بمقدار قرب العبد منه صلى الله عليه وسلم وعمله بمثل عمله صلى الله عليه وسلم يتدرج في سلم الوصول إلى العلا ، ويصعد في مراقي الكمال البشري .
ولما كان شهر رمضان من أعظم مواسم الإسلام وأجلها ، ومن أكثر الفرص السانحة أمام العبد لكي يتقرب من الله تعالى وينال رضاه ، كانت هذه المحاولة للتعرف على هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان ، علّها تكون دليلاً للعاملين ونبراساً للسائرين ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب . وخشية من طول الموضوع، ولأن المراد الإشارة مع نوع تركيز على الجوانب التي تهم المسلم عملاً ودعوة فسأجعل الموضوع مقتصراً على محاور أربعة :



أولاً : حاله صلى الله عليه وسلم مع رمضان قبل قدومه :
كان صلى الله عليه وسلم شديد الزهد في الدنيا عظيم الرغبة فيما عند الله تعالى والدار الآخرة ، وخير دليل على ذلك : قيامه صلى الله عليه وسلم عملياً بالاستعداد للأمر وتهيئته النفس لاستقبال رمضان مقبلة على الخير ، نشيطة في الطاعات ؛ لتغتنم الفرصة كاملة ، وتهتبل الموسم كله . هكذا كان هدي سيد الورى صلى الله عليه وسلم مع رمضان ؛ إذ قام صلى الله عليه وسلم بالعديد من الأمور قبله ، لعل من أبرزها :
* إكثاره صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان [1] . قالت عائشة : « لم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان ، كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلاً » [2] .
* تبشيره صلى الله عليه وسلم أصحابه بقدومه وتهيئتهم للاجتهاد فيه بذكر بعض خصائصه وتضاعف الأجور فيه ؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :
« إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي منادٍ : يا باغي الخير أقبل ! ويا باغي الشر أقصر ! ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة » [3] .
* بيانه صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالصيام : وفي هذه المقالة جملة من ذلك .
* عدم دخوله صلى الله عليه وسلم في صيام رمضان إلا برؤية شاهد أو إتمام عدة شعبان ثلاثين ، عن ابن عمر قال : « تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه ، وأمر الناس بصيامه » [4] .
فأين أنت من التهيؤ لرمضان قبل نزوله ، فهو ضيف غنيمة لهذه الأمة ، ينزل عليهم ، فيذكر غافلهم ، ويعين ذاكرهم ، وينشِّط عالمهم ، ويشحذ همهم للطاعات ، فتمتلئ مساجدهم ، وتجود نفوسهم ، وينتصر مجاهدهم .. فما أحقه بأن تعدّ العدة لاستقباله !



ثانياً : أحواله صلى الله عليه وسلم مع ربه في رمضان :
كان نبي الهدى عليه الصلاة والسلام أعرف الخلق بربه سبحانه ، وأعظمهم قياماً بحقه .. تدرج في سلم الكمال البشري فبلغ مبلغاً يعجز عن فهمه أكثر العالمين ، فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ! ثم هو يقوم من الليل حتى تنتفخ وتتفطر قدماه . كان له صلى الله عليه وسلم بكاء المذنبين وأنين العاصين ودعاء المكروبين . وأحواله مع ربه في رمضان أنموذج حي يصوِّر عبادته صلى الله عليه وسلم وأشكال خضوعه لبارئه فينطق محدِّداً جوانب عدة ، أبرزها :


* صيامه صلى الله عليه وسلم لشهر رمضان : وهذا بيِّن ، والمراد من إيراده مع بداهته التذكير بشيء من صفة صيامه صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك :


1 - سحوره صلى الله عليه وسلم ، وتأخيره للسحور ، حيث كان صلى الله عليه وسلم يتناوله قبل أذان الفجر الثاني بقليل ، وكذا إفطاره ، وتعجيله للإفطار ، حيث كان صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي المغرب ، وكان يفطر على رطب أو تمر أو ماء . وأيضاً : تواضع إفطاره وسحوره صلى الله عليه وسلم .
ندرك هنا أن التكلف الذي نشهده اليوم في إفطار الناس وسحورهم هو أبعد شيء عن هديه صلى الله عليه وسلم ؛ ذلك أنه يوسّع حظ النفس بما يلهي ويثقل عن الطاعة . فحري بالكيس الحازم أن يضبط الأمر ويحدَّ منه ، دون التذرع بالواهي من الحجج ، من تناول الطيب وإكرام الضيف .. بما يفوت خيراً كثيراً . وليتأس بنبيه صلى الله عليه وسلم فيما عرف من أحواله .


2 - دعاؤه صلى الله عليه وسلم عند الإفطار ، بقوله : « ذهب الظمأ ،
وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله »
[5] .


3 - سواكه صلى الله عليه وسلم في حال الصيام ، لما رُوِيَ عن عامر بن ربيعة قال : « رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم » [6] .


4 - صبه صلى الله عليه وسلم الماء على رأسه وهو صائم ، لحديث أبي بكر ابن عبد الرحمن قال : « عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرْج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر » [7] .


5 - وصاله صلى الله عليه وسلم الصيام أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة [8] .
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تواصلوا . قالوا : إنك تواصل ، قال : لست كأحد منكم ، إني أُطعم وأُسقى أو إني أبيت أُطعم وأُسقى » [9] .


6 - سفره صلى الله عليه وسلم في رمضان ، وصومه صلى الله عليه وسلم في حين وفطره في آخر . عن طاوس عن ابن عباس قال : « سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ، ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهاراً ليريه الناس فأفطر حتى قدم مكة ، قال : وكان ابن عباس يقول : صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر ، فمن شاء صام ومن شاء أفطر [10] . قال ابن القيم : « ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحدِّ ، ولا صح عنه في ذلك شيء ... وكان الصحابة
حين ينشئون السفر يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت ، ويخبرون أن ذلك سنته وهديه صلى الله عليه وسلم ... قال محمد بن كعب : أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً ، وقد رُحِّلت له راحلته ، ولبس ثياب السفر ، فدعا بطعام فأكل ، فقلت له : سنة ؟ قال : سنة ، ثم ركب » [11] . ومهما نقل عن أئمة الفقه ، وأهل العلم في الأفضل من الفطر ، أو الصوم في السفر فيبقى أن الصوم والفطر في السفر ، كل ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما ينبغي أن يراعيه المتعجلون بالإنكار على المفطرين أو الصائمين في السفر .. فلكل مأخذه
وحجته .


7 - خروجه صلى الله عليه وسلم من الصيام برؤية محققة أو بإتمام الشهر ثلاثين ، يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، وانسكوا لها ، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين ، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا » [12] .


هذه بعض الجوانب التي تجلي للمسلم شيئاً من صفة صومه صلى الله عليه وسلم ، والتي يظهر صلى الله عليه وسلم من خلالها حريصاً على الإتيان بمستحبات الصوم وآدابه . وهذا ما يدفع المسلم إلى أن يتأمل في صيامه ، ويعمل على تحسين حاله ، ليكون أشد تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأكثر قرباً منه .


* قيامه صلى الله عليه وسلم الليل في رمضان . ولعل أبرز ما تميز به قيامه صلى الله عليه وسلم ما يلي :
1 - أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في قيامه على إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة ، كما يدل لذلك حديث عائشة قالت : « ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة » [13] ، وحديثها الآخر قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين» [14] .
2 - أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقوم الليل كله ، بل كان يخلطه بقراءة قرآن وغيره ، يدل لذلك حديث عائشة قالت : « ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ، ولا قام ليلة حتى أصبح ، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان » [15] ، وحديث ابن عباس ، وفيه : « وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ ، يعرض عليه صلى الله عليه وسلم القرآن » [16] .
3 - أن غالب قيامه صلى الله عليه وسلم كان منفرداً ؛ خشية أن يُفرض القيام على أمته .
لقد كان شديد الخوف أن يفرض عليها القيام فيقصِّر فيه أناس فيأثموا .. هذا مع شدة حرص صحابته الكرام على أن يقوم بهم غالب الليل أو كله ، لكنه ينظر لمن بعدهم ، وكأنه يرى ضعفنا وشدة عجزنا . وفي هذا درس بليغ للدعاة أن يجمعوا مع الاجتهاد وبذل غاية الوسع في هداية الأمة ودعوتها .. خوفاً شديداً من وقوعها في الإثم رحمة بها .
4 - إطالته صلى الله عليه وسلم لصلاة القيام ؛ فقد سئلت عائشة : كيف كانت صلاة رسول الله في رمضان ؟ فقالت : « ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة : يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثاً ، فقلت : يا رسول الله ، أتنام قبل أن توتر ؟ قال : يا عائشة ! إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي » [17] . وبذا يتجلى لنا خطأ كثير من الحريصين على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم ، والذين يحرصون على التأسي به في العدد دون الكيفية : من إطالة وخشوع وطمأنينة ،
نسأل الله تعالى التوفيق للصواب .


* مدارسته صلى الله عليه وسلم القرآن مع جبريل عليه السلام فعن ابن عباس : « كان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه صلى الله عليه وسلم القرآن » [18] . وفي رواية : ( فيدارسه ) [19] : وهذه صيغة فاعلة تفيد وقوع الشيء من الجانبين [20] . فإذا كان هذا الحرص وتلك العناية بمدارسة القرآن ممن جمع الله له القرآن في صدره ، وتولى تفهيمه إياه ، فما أحوجنا إلى مثل هذه المدارسة لننعم بهداية القرآن الكريم ؟


* تواضعه وزهده صلى الله عليه وسلم :
وشواهده كثيرة ، منها : سيلان ماء المطر من سقف المسجد على مصلاه صلى الله عليه وسلم وسجوده في ماء وطين [21] ، وصلاته صلى الله عليه وسلم قيام الليل على حصير [22] ، واعتكافه صلى الله عليه وسلم في قبة تركية على سدتها حصير [23] ، واعتكافه صلى الله عليه وسلم في بيت من سعف [24] ، وتواضع فطوره وسحوره صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم ، ومنها : قلة طعامه صلى الله عليه وسلم . قال عبد الله بن أنيس : « ... فأُتي [أي : النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان] بعشائه فرآني أكفُّ عنه من قلِّته ... » [25] .


ومن هذا يتبين أن الأقرب إلى هديه صلى الله عليه وسلم هو التواضع والزهد
( وهو : ترك ما لا ينفع في الآخرة ) ، والتقلل من نعيم الدنيا ، والحرص على الاخشيشان والبذاذة والتبسط وترك التكلف الذي يكون دافعه تواضع القلب لله تعالى وإخباته له ، وإقباله عليه ، وطمأنينته ورضاه به ، وتعلقه بنعيم الآخرة الباقي ، وهذه حقيقة الزهد ، لا أن نترك ذلك ظاهراً والقلوب شغوفة متطلعة إليه مشغولة به ، فتلك عبودية الدنيا كعبودية الدرهم والدينار .


* إكثاره صلى الله عليه وسلم من الإحسان والبر والصدقة . قال ابن عباس : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة »
[26] . وعلة زيادة جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان : « أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس ، والغنى سبب الجود »[27] . إنه أثر القرآن .. وثمرة الزهد ، وكفى ! !


* جهاده صلى الله عليه وسلم في رمضان ، وجعله منه شهر بلاء وبذل وفداء ، ويتجلى ذلك بأمرين :
الأول : غزوُه صلى الله عليه وسلم للمشركين في رمضان ، وكون أعظم انتصاراته صلى الله عليه وسلم وأجلّها والمعارك الفاصلة التي تمت في حياته كانت فيه . قال أبو سعيد الخدري : « كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان » [28] ، وقال عمر بن الخطاب قال : « غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان غزوتين يوم بدر والفتح ، فأفطرنا فيهما » [29] .
الثاني : السرايا والبعوث العديدة التي كانت في رمضان ، وهي كثيرة [30] .
وجهاده صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع اجتهادهم في العبادات الأخرى دلالة على أثر الصيام الإيجابي فيما يورثه لصاحبه من قوة في النفس تورث قوة في الجسد .
على أن ما يحتاجه الجسم من الغذاء أقل مما نتصوره اليوم ، وإنما تخور قوى الصائمين المترفين الذين ألفوا الملذات فجهدت نفوسهم بغياب ملذاتها وشهواتها وتأخرها عنهم ؛ إذ لنفوسهم على قلوبهم غلبة وسلطان ، والله المستعان .


اعتكافه صلى الله عليه وسلم وخلوته بربه سبحانه : والمتأمل في حاله في الاعتكاف يلحظ ما يلي :
1 - اعتكافه صلى الله عليه وسلم في المدينة في رمضان من كل سنة ، وتقلبه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف في كل عشر من الشهر ، ثم استقراره في آخر الأمر على الاعتكاف في العشر الأواخر منه ، لإدراك ليلة القدر .
2 - أمره صلى الله عليه وسلم بأن يُضرب له خباء في المسجد يلزمه يخلو وحده فيه بربه » [31] . قال ابن القيم : « كل هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه ، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ومجلبة للزائرين ، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم ، فهذا لون ، والاعتكاف النبوي لون ، والله الموفق » [32] .
3 - دخوله صلى الله عليه وسلم معتكفه إذا صلى فجر اليوم الأول من العشر التي يريد اعتكافها ، يدل لذلك قول عائشة : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ، ثم دخل معتكفه » [33] .
4 - حرصه صلى الله عليه وسلم وهو معتكف على حسن مظهره ونظافة جسده ،
كما في ترجيل عائشة شعره .
5 - زيارة أزواجه صلى الله عليه وسلم في حال اعتكافه وحديثه معهن ، يدل لذلك حديث صفية قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت ... »
[34] .
6 - عدم خروجه صلى الله عليه وسلم من معتكفه إلا لحاجة ، يدل لذلك قول عائشة : أنه صلى الله عليه وسلم « كان لا يدخل البيت إلا لحاجة ، إذا كان معتكفاً » [35] وربما أخرج بعض جسده من المعتكف لحاجة ، كترجيل رأسه [36] .
7 - خروجه صلى الله عليه وسلم من معتكفه مصبحاً لا ممسياً من الليلة التي تلي اعتكافه ، كما في حديث أبي سعيد الخدري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان ، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه » [37] .
وفي اعتكافه صلى الله عليه وسلم وانقطاعه من نفسه ليجتهد في ذكر ربه وعبادة مولاه مع كونه المنتصب لدعوة الناس القائم بشؤون الأمة : دليل على مسيس حاجة الدعاة إلى أوقات خلوة ومراجعة ومحاسبة ، وإن التقصير في ذلك يرسخ عيوب النفس ويزيد أمراضها ، حتى تكون مزمنة ، كما أن حرمان القلب من زادِهِ مورث لقسوته وغفلته وقلة بصيرته وفُرقَانه ، وأيضاً فإن ترك استمداد عون المعين طريق الخذلان . ومن أفضل السبل لتدارك ذلك : الخلوة بالنفس لتجديدها ، ولا أفضل من الاعتكاف لتحقيق ذلك . وقد كثر في الناس ترك هذه السنة المباركة ، قال الإمام الزهري : « عجباً للمسلمين ! تركوا الاعتكاف ، مع أن النبي صلى الله
عليه وسلم ، ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل » [38] .


* حرصه صلى الله عليه وسلم على تحري ليلة القدر .
* اجتهاده صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر وتركه النوم في لياليها .
قالت عائشة :
« كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل ، وأيقظ أهله ، وجد وشد المئزر » [39] .
* حرصه صلى الله عليه وسلم على مخالفة أهل الكتاب في أعمال رمضان ، وهذا بيِّن من قوله صلى الله عليه وسلم : « لا يزال الناس بخير ما عَجَّلُوا الفطْر . عَجِّلُوا الفطر فإن اليهود يؤخرون » [40] .
* إكثاره صلى الله عليه وسلم من العمل في رمضان في آخر حياته . عن أبي هريرة قال : « كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة ، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه ، وكان يعتكف كل عام عشراً ، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه » [41] .


تلك معالم بارزة وصور مضيئة في صون الحبيب صلى الله عليه وسلم لأشرف علاقة في حياة الإنسان ، وتحقيقه لغاية المحبة لمولاه عز وجل بقيامه بأمره ورعايته لدينه وتكميله لطاعته . إنها النبراس لسالك الصراط المستقيم ، من حاد عنها اضطرب أمره وتفرق شأنه ، ولم يزل في عوج ولُجَج حتى يبغي طريقاً إلى سنته صلى الله عليه وسلم .



ثالثاً : أحواله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته في رمضان :
من تتبع حاله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته في رمضان علم مدى التوازن الضخم الذي كان محققاً له صلى الله عليه وسلم في حياته ؛ إذ كان صلى الله عليه وسلم كما وصف نفسه : « إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا » [42] ، « خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي » [43] . وتبرز أحواله مع أهله مما يلي :
* تعليمهن : ومن ذلك : أن عائشة قالت : يا رسول الله ، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : « قولي : اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني » [44] ،
وحديثها « أنه صلى الله عليه وسلم قال : إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال ، وكان بلال يؤذن حين يرى الفجر » [45] ، بل إن إخبارهن بجانب من عشرتهن وما علمنه من حاله صلى الله عليه وسلم كان طريق الأمة لمعرفة كثير من هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان وذلك لا يخفى .
* حثه صلى الله عليه وسلم لهن على فعل الخير وإتيان العمل الصالح ؛ حيث أرسل إليهن للصلاة مع الناس خلفه [46] .


من هذه الآثار ندرك حكمة من حِكَم تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكثرتهن مع انشغاله بأمر الأمة ؛ فقد كان ذلك جزءاً أساساً من عملية إرشاد الأمة وتعليمها الإسلام كافة بكل جوانبه الشمولية ، ولم يكن شيء من ذلك يتحقق لولا عنايته عليه الصلاة والسلام بتعليمهن :
إرشاداً وتوجيهاً وإجابة وبياناً وترغيباً وترهيباً . وهذا فوق أنه منطلق دعوي مهم ، فهو رعاية للمسؤولية الأولى ، وحفظ لكيان البيت والأسرة من الجهل والكسل .


فَحَيَّ على أسركم يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم و  قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ  ( التحريم : 6 ) .


* حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لهن .
ومن الأمور الدالة على ذلك :
1 - مواقعته صلى الله عليه وسلم لهن في غير العشر الأواخر ، يشهد لذلك حديث عائشة قالت : « كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله » [47] ،
قال ابن حجر : « قوله : شد مئزره : أي : اعتزل النساء » [48] .
2 - تقبيله صلى الله عليه وسلم لزوجاته ومباشرته لهن وهو صائم ، قالت عائشة :
« كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل في شهر الصوم » [49] ، وسألها الأسود و مسروق : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم ؟ قالت : « نعم ، ولكنه كان أملككم لإربه » [50] .
3 - مراعاته صلى الله عليه وسلم لهن وحرصه على الاستقرار الأسري ؛ إذ ترك الاعتكاف في سنة كما تقدم ، خشية على نسائه من أن يقع بينهن أو في نفوسهن شيء [51] .
4 - زيارة نسائه صلى الله عليه وسلم له في معتكفه وتبادله الحديث معهن ساعة ، وخوفه صلى الله عليه وسلم عليهن وحمايته لهنَّ ، قالت صفية : « كان صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده أزواجه فَرُحْن ، فقال لصفية بنت حيي : لا تعجلي حتى أنصرف معك ، وكان بيتها في دار أسامة ، فخرج صلى الله عليه وسلم معها » [52] .
5 - اعتناؤه صلى الله عليه وسلم بمظهره وتنظيفه لجسده .


فأين هذا ممن حظ أهله من أخلاقه أسوؤها ، ومن أوقاته آخرها ، ومن تفكيره فضلته ، ومن اهتمامه ثمالته .. حتى ما عادوا يطمعون في بره ، ولا يأملون في خيره ؟ ! ثم هو يرجو منهم براً وإحساناً ! إنك لا تجني من الشوك العنب ! .


* خدمة نسائه صلى الله عليه وسلم له ، ومن ذلك :
تغسيل زوجه صلى الله عليه وسلم رأسه وترجيلها لشعره وهو صلى الله عليه وسلم معتكف كما عرف ، وضرب زوجه الخباء له صلى الله عليه وسلم في المسجد ليعتكف فيه [53] ، وضرب زوجه الحصير له صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه وطيها له [54] ، ومنه : إيقاظ أهله صلى الله عليه وسلم له ، كما في حديث أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أُريت ليلة القدر ، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها ، فالتمسوها في العشر الغوابر » [55] .


* إذنه صلى الله عليه وسلم لزوجاته بالاعتكاف معه .
* قيامهن ببعض العبادات معه صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك :
1 - الاعتكاف ؛ والظاهر أن غالب زوجاته لم يكن يعتكفن معه صلى الله عليه وسلم في حياته ، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فالظاهر اعتكافهن بعده ، يدل لذلك حديث عائشة :
« أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده » [56] .

أم خيرية
09-01-2009, 08:00 AM
تااابع


2 - قيام الليل في بعض ليالي رمضان جماعة في المسجد ، يدل لذلك حديث أبي ذر ، وفيه : « ثم لم يصلِّ بنا حتى بقي ثلاث من الشهر وصلى بنا في الثالثة ، ودعا أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح ، قلت له : وما الفلاح ؟ قال : السحور » [57] .


* زواجه صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه في رمضان . كزينب بنت خزيمة أم المساكين [58] ، و حفصة ، و زينب بنت جحش ، [59] .


وبعد : فإن من أوكد الواجبات بداية الرجل عموماً والداعية خصوصاً بتعليم أهله وقرابته ، قال تعالى :  وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ  ( الشعراء : 214 ) ، وإذا كان إنفاق الرجل على أهله أفضل من الصدقة وأعظم منها أجراً [60] ، فإن تعليمه وحسن معاملته لهم أفضل وأعظم أجراً من تقديم ذلك لغيرهم مع الأهمية في كلٍ ، فنحن بحاجة إلى إحياء شعار : « ابدأ بمن تعول » [61] ، مع بَعْثِ منهج التوازن والوسطية النبوية التي لا تهمل جانباً على حساب آخر .




رابعاً : أحواله صلى الله عليه وسلم مع أمته في رمضان :
حاله صلى الله عليه وسلم مع أمته في رمضان هو جزء لا يخرج عن الصورة العامة لهديه في سائر العام ، مع مزيد توجيه وتعليم فيما يخص رمضان .
وقد تقلب صلى الله عليه وسلم مع صحابته في هذا الشهر بين أحوال عدة ، جملتها فيما يأتي :


* تعليمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه . ومن ذلك : حديث شداد بن أوس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع ، وهو يحتجم ، وهو آخذ بيدي ، لثماني عشرة خلت من رمضان ، فقال : أفطر الحاجم والمحجوم » [62] .
والتعليم مهمة الأنبياء وأتباعهم ، قال صلى الله عليه وسلم : « إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ، ولكن بعثني معلماً ميسراً » [63] ، وقال الأسود بن يزيد : « أتانا معاذ بن جبل اليمن معلماً وأميراً » [64] ، وهي مهمة شريفة عليَّة الرتبة ، بها يرتفع شأن صاحبها ، ويعظم أجره ، ويزيد برُّه ، ويعم خيره ، ويبقى ذكره ...
وللدعاة في رمضان فرصة دعوية سانحة حريّة بالاغتنام مع بذل غاية الجهد في تعليم الناس وتفقيههم وتعريفهم حقيقة الإسلام والإيمان ، واستغلال إقبالهم على المساجد في استصلاح قلوبهم وأعمالهم .


* إرشاده صلى الله عليه وسلم لأصحابه وتوجيهه ووعظه لهم . ومن ذلك :
حديث ابن عمر قال : « اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان ، فاتُّخِذَ له فيه بيت من سعف ، قال : فأخرج رأسه ذات يوم ، فقال : إن المصلي يناجي ربه عز وجل فلينظر أحدكم بما يناجي ربه ، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة » [65] .


* تحفيزه صلى الله عليه وسلم لأصحابه على المبادرة في العمل الصالح وبيان ثواب ذلك لهم . ومنه : حديث أبي هريرة في الحث على الصيام ، وفيه : « والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ، الصيام لي وأنا أجزي به ، والحسنة بعشر أمثالها » [66] .
وتحفيزه صلى الله عليه وسلم : دليل على حرصه على نفع صحبه الكرام ، وعلى أن النفوس مهما بلغت من الكمال والمسابقة في الخيرات لا تستغني عن النصح والتوجيه ترغيباً وترهيباً . وقد أفرط قوم في ذلك فصار حديثهم يكاد لا يخرج عن ذلك في رمضان وغيره ! حتى ألفته النفوس وملَّته ، وفرّط آخرون فصار حديثهم جافاً غليظاً لما أهملوا خطاب القلوب وتحريك العاطفة ، في الوقت الذي أهمل فيه الأولون خطاب العقل وتحريك الفكر . ومنهج القرآن بين هذين ، فليكن لأتباعه منهجاً .


* إفتاؤه صلى الله عليه وسلم لمن سأله من أصحابه ، وعدم معاتبته لمن أذنب وجاء تائبا مستفتياً . فعن عائشة قالت : « أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان ، فقال : يا رسول الله ! احترقت احترقت ! فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنه ؟ فقال : أصبت أهلي ، قال : تصدَّق ، فقال : والله يا نبي الله ! ما لي شيء وما أقدر عليه ، قال : اجلس فجلس ، فبينا هو على ذلك أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين المحترق آنفاً ؟ فقام الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصدق بهذا ، فقال : يا رسول الله ! أغيرنا ؟ فوالله ! إنا لجياع ما لنا شيء ! قال : فكلوه » [67] ، ومثله حديث سلمة بن صخر الأنصاري [68] .
وهذا الموقف وأشباهه في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم داع لحَمَلةِ رسالته أن تمتلئ قلوبهم رحمة بالمدعوين تورث رقة في التعامل معهم ، ورفقاً بسائلهم ، وشفقة على مذنبهم . تلك الميزة التي تضعف لدى بعض المنتسبين للعلم والدعوة والإصلاح حيث يظنون أن المقصر لا يستحق إلا التوبيخ والتقريع والذم والإسقاط جزاء تقصيره ، ويغيب عن أذهانهم هديه صلى الله عليه وسلم وصنيعه مع من واقع زوجته في رمضان ، وغير ذلك كالذي بال في المسجد ، والذي تكلم في الصلاة ؛ بل حتى مع من طلب الإذن له بالزنا ! والدافع إلى ذلك كله الرغبة في هداية الخلق ورحمتهم والعطف عليهم . ويتأكد الأمر في رمضان حين يقبل عامة الناس على المساجد ، وتكثر أسئلتهم عن أحكام الصيام ، وعما اقترفوا من الذنوب ... إن هؤلاء يفتقرون إلى قلوب حانية رقيقة تمسح موضع الداء بلطف ، وتعالجه برفق وتخفف المصاب حتى يظهر للمخطئ الصواب ، فيعود إليه .


* إمامته صلى الله عليه وسلم بالناس . وقد أَمَّ أصحابه في قيام الليل في بعض ليالي رمضان ، وما منعه من الاستمرار إلا خشيته صلى الله عليه وسلم من أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها .


* خطبته صلى الله عليه وسلم فيهم وحديثه إليهم عقب بعض الصلوات [69] .


* جعله صلى الله عليه وسلم من نفسه قدوة لأصحابه ، ومن الدلائل على ذلك :
1 - خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ليصلي فيه من الليل ، كما في حديث عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته ... » [70] .
2 - اعتكافه صلى الله عليه وسلم لتحري ليلة القدر ، وحثه لأصحابه على ذلك .


* إفطاره صلى الله عليه وسلم في السفر بعد العصر ليراه أصحابه ، وذلك بعد أن بلغ بهم الجهد مبلغه .
إن بإمكان الداعية أن يدبج خطباً رنانة ومواعظ بليغة لكنها لن تجد طريقها إلى القلوب كما لو رأت العيون ذلك برؤيتها تطبيق ما سمعت الأذن .


* رحمته صلى الله عليه وسلم بأصحابه . ومن الأمور الدالة على ذلك :
1 - أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالإفطار في السفر قبل ملاقاة العدو ، فعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر ، وقال : تقووا لعدوكم . وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم » [71] .
ومن رحمته : نهيه صلى الله عليه وسلم لأصحابه عن الوصال رحمة بهم ، وحثه صلى الله عليه وسلم لأصحابه على تعجيل الفطر وتناول السحور ، وتركه صلى الله عليه وسلم الصلاة بأصحابه جماعة في قيام الليل خشية من أن تفرض عليهم ، وتخفيفه صلى الله عليه وسلم الصلاة حين كان إماماً بهم .


* حثه صلى الله عليه وسلم لأصحابه على طهارة النفس وتوقي الذنوب . ولذا قال : « رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر » [72] .
لقد توجهت عناية كثير إلى إصلاح الظاهر والشدة فيه وإنكار المعاصي والذنوب الجليَّة ، مع ضعفٍ في تناول ذنوب القلب وأمراضه التي تورث ذنوب الجوارح ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب » [73] ،
وهذا يعني أن من الصعب النجاح في إصلاح الظاهر ما لم يُعتن بالباطن العناية التي يستحقها مع تجنب إهمال الظاهر ، حتى يتهيأ لنظرة الرضى من الرب تعالى ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : « إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » [74] .


* مخالطته صلى الله عليه وسلم لأصحابه واستماعه إليهم وعدم ترفعه عنهم . ومضى من هذا كثير .
ومخالطة الداعية للناس شرط لا يتحقق التأثير والإصلاح بدونه . والمخالطة ليست مرادة لذاتها ، وإنما لما تثمره من تعليم للخير ، وتوجيه نحو الصواب والأفضل ، وتصحيح للمفاهيم ، ووقوف على الخطأ ، وتهذيب للسلوك ، ومعاونة على الخير وتقوية لأهله ، فالمهم هو المخالطة الواعية الموظَّفة توظيفاً حسناً . كما أن من المهم أن لا يستغرق الداعية في المخالطة حتى تذهب الهيبة ، وتفقد المخالطة روحها ، وحتى ينسى نفسه وأهله ، ولذا اعتنى الداعية الأول صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف ؛ لما يحقق من عزلة وخلوة لا غنى للداعية الرصين عنها . فليتوازن
الداعية ، والله المعين .


* تأديبه صلى الله عليه وسلم لمن خشي عليه التعمق ، كما واصل بمن أبوا إلا الوصال [75] . إن شريعة الإسلام شريعة اليسر والسهولة « ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه » [76] ، ولطالما تواردت النصوص على هذا الأصل : أصل التيسير ورفع الحرج .. وهذه خاصية الدين الواقعي الملائم للفطرة ، والذي أراد الله له البقاء حتى تقوم الساعة .
وتنكيله صلى الله عليه وسلم بمن أرادوا الوصال ينسجم مع ذلك الأصل ؛ إذ خشي صلى الله عليه وسلم عليهم العنت والمشقة ، لكن لما كانت بعض النفوس لا يكفيها الكلام احتاج صلى الله عليه وسلم إلى العقوبة ، ولم تكن تلك العقوبة على أمر محرم ، فلو كان محرماً ما فعلوه ، ولما أقرّهم عليه ، بل إنه زادهم من جنس ما رغبوا فيه ، حتى يدركوا الفرق بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم .


* استقباله صلى الله عليه وسلم لمن وفد عليه . قال ابن إسحاق : « وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك ، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف » [77] .


إن مخالطته صلى الله عليه وسلم للناس في رمضان صفحة من جهده الدعوي فيه ، وهو ما يحتاجه الدعاة للتأسي به .
* أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بإخراج زكاة الفطر من رمضان .
* إيكاله صلى الله عليه وسلم بعض الأعمال إلى أصحابه ، كما وكّل أبا هريرة بحفظ زكاة رمضان [78] .
وفي هذا تخفيف من الجهد عليه ؛ لأن الشخص بمفرده لا يطيق القيام بجميع المهام ، فلا مفرّ من توكيل الآخرين وتفويضهم في القيام بالأعمال وإنجاز المهام ، وهذا يعكس في الوقت نفسه ثقة الداعية في أصحابه ، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يعامل صحبه الكرام ، حتى كانوا رجال أمة ودولة .


وأخيراً : فأحسب تلك الصفحات قد أطلعتنا على جزء يسير من سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم . فما أمسَّ حاجتنا إلى التنعم في ظل سيرته صلى الله عليه وسلم والعيش مع أخباره ، والتعرف على أحواله ، وترسم هديه وطريقته ... كيف لا ؛ وذلك الطريق هو السبيل الأوحد لنيل محبة الخالق تعالى والقرب منه ، كما قال عز وجل :  قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  ( آل عمران : 31 ) .


...م..

سكون قلم
09-05-2009, 01:48 AM
بارك الله فيكم
وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام


جزاااك المولى جنة المأوى