المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فكر قبل ان تعمـــــــــــل



العاقل
05-24-2010, 10:46 AM
روي أن أحدَ الولاةِ




كان يتجول ذات يوم في السوق القديم



متنكراً في زي تاجر ،



وأثناء تجواله وقع بصره على دكانٍ قديمٍ



ليس فيه شيء مما يغري بالشراء ،



كانت البقالة شبه خالية ،



وكان فيها رجل طاعن في السن ،



يجلس بارتخاء على مقعد قديم متهالك ،




ولم يلفت نظر الوالي سوى بعض اللوحات



التي تراكم عليها الغبار ،



اقترب الوالي من الرجل المسن وحياه ،



ورد الرجل التحية بأحسن منها ،



وكان يغشاه هدوء غريب ، وثقة بالنفس عجيبة ..





وسأل الوالي الرجل :



دخلت السوق لاشتري فماذا عندك مما يباع !؟



أجاب الرجل بهدوء وثقة :



أهلا وسهلا .. عندنا أحسن وأثمن بضائع السوق !!



قال ذلك دون أن تبدر منه أية إشارة للمزح أو السخرية ..



فما كان من الوالي إلا ابتسم ثم قال :



هل أنت جاد فيما تقول !؟



أجاب الرجل :



نعم كل الجد ، فبضائعي لا تقدر بثمن ،



أما بضائع السوق فإن لها ثمن محدد لا تتعداه !!





دهش الوالي وهو يسمع ذلك ويرى هذه الثقة ..



وصمت برهة وأخذ يقلب بصره في الدكان ، ثم قال :



ولكني لا أرى في دكانك شيئا للبيع !!



قال الرجل :



أنا أبيع الحكمة .. وقد بعت منها الكثير ،



وانتفع بها الذين اشتروها ....!



ولم يبق معي سوى لوحتين ..!





قال الوالي : وهل تكسب من هذه التجارة !!



قال الرجل وقد ارتسمت على وجهه طيف ابتسامة :



نعم يا سيدي .. فأنا أربح كثيراً ،



فلوحاتي غالية الثمن جداً ..!





تقدم الوالي إلى إحدى اللوحتين ومسح عنها الغبار ،



فإذا مكتوباً فيها :




( فكر قبل أن تعمل )




تأمل الوالي العبارة طويلا .. ثم التفت إلى الرجل وقال :



بكم تبيع هذه اللوحة ..!؟



قال الرجل بهدوء : عشرة آلاف دينار فقط !!




ضحك الوالي طويلا حتى اغرورقت عيناه ،



وبقي الشيخ ساكنا كأنه لم يقل شيئاً ،



وظل ينظر إلى اللوحة باعتزاز ..



قال الوالي : عشرة آلاف دينار ..!!



هل أنت جاد ؟



قال الشيخ : ولا نقاش في الثمن !!





لم يجد الوالي في إصرار العجوز



إلا ما يدعو للضحك والعجب ..



وخمن في نفسه أن هذا العجوز مختل في عقله ،



فظل يسايره وأخذ يساومه على الثمن ،



فأوحى إليه أنه سيدفع في هذه اللوحة ألف دينار ..



والرجل يرفض ،





فزاد ألفا ثم ثالثة ورابعة



حتى وصل إلى التسعة آلاف دينار ..



والعجوز ما زال مصرا على كلمته التي قالها ،




ضحك الوالي وقرر الانصراف ،



وهو يتوقع أن العجوز سيناديه إذا انصرف ،



ولكنه لاحظ أن العجوز لم يكترث لانصرافه ،



وعاد إلى كرسيه المتهالك فجلس عليه بهدوء ..




وفيما كان الوالي يتجول في السوق فكر ..!!



لقد كان ينوي أن يفعل شيئاً تأباه المروءة ،



فتذكر تلك الحكمة ( فكر قبل أن تعمل !! )



فتراجع عما كان ينوي القيام به !!



ووجد انشراحا لذلك ..!!





وأخذ يفكر وأدرك أنه انتفع بتلك الحكمة ،



ثم فكر فعلم أن هناك أشياء كثيرة ،



قد تفسد عليه حياته لو أنه قام بها دون أن يفكر ..!!




ومن هنا وجد نفسه يهرول



باحثاً عن دكان العجوز في لهفة ،



ولما وقف عليه قال :



لقد قررت أن أشتري هذه اللوحة بالثمن الذي تحدده ..!!



لم يبتسم العجوز ونهض من على كرسيه بكل هدوء ،



وأمسك بخرقة ونفض بقية الغبار عن اللوحة ،



ثم ناولها الوالي ، واستلم المبلغ كاملاً ،





وقبل أن ينصرف الوالي قال له الشيخ :



بعتك هذه اللوحة بشرط ..!!



قال الوالي : وما هو الشرط ؟



قال : أن تكتب هذه الحكمة على باب بيتك ،



وعلى أكثر الأماكن في البيت ،



وحتى على أدواتك التي تحتاجها عند الضرورة ..!!!!!



فكر الوالي قليلا ثم قال : موافق !





وذهب الوالي إلى قصره ،



وأمر بكتابة هذه الحكمة



في أماكن كثيرة في القصر ،



حتى على بعض ملابسه وملابس نسائه



وكثير من أداواته !!!



وتوالت الأيام وتبعتها شهور ،





وحدث ذات يوم أن قرر قائد الجند



أن يقتل الوالي لينفرد بالولاية ،



واتفق مع حلاق الوالي الخاص ،



أغراه بألوان من الإغراء



حتى وافق أن يكون في صفه ،



وفي دقائق سيتم ذبح الوالي !!!!!





ولما توجه الحلاق إلى قصر الوالي



أدركه الارتباك ،



إذ كيف سيقتل الوالي ،



إنها مهمة صعبة وخطيرة ،



وقد يفشل ويطير رأسه ..!!



ولما وصل إلى باب القصر



رأى مكتوبا على البوابة :




( فكر قبل أن تعمل !! )





وازداد ارتباكاً ، وانتفض جسده ،



وداخله الخوف ، ولكنه جمع نفسه ودخل ،



وفي الممر الطويل ،



رأى العبارة ذاتها تتكرر عدة مرات هنا وهناك :




( فكر قبل أن تعمل ! )



( فكر قبل أن تعمل !! )



( فكر قبل أن تعمل !! ) .. !!





وحتى حين قرر أن يطأطئ رأسه ،



فلا ينظر إلا إلى الأرض ،



رأى على البساط نفس العبارة تخرق عينيه ..!!



وزاد اضطرابا وقلقا وخوفا ،



فأسرع يمد خطواته ليدخل إلى الحجرة الكبيرة ،



وهناك رأى نفس العبارة تقابله وجهاً لوجه !!




( فكر قبل أن تعمل !!) !!





فانتفض جسد ه من جديد ،



وشعر أن العبارة ترن في أذنيه بقوة لها صدى شديد !



وعندما دخل الوالي هاله أن يرى أن الثوب



الذي يلبسه الوالي مكتوبا عليه :




( فكر قبل أن تعمل !! ) ..





شعر أنه هو المقصود بهذه العبارة ،



بل داخله شعور بأن الوالي ربما يعرف ما خطط له !!



وحين أتى الخادم بصندوق الحلاقة الخاص بالوالي ،



أفزعه أن يقرأ على الصندوق نفس العبارة :




( فكر قبل أن تعمل ).. !!





واضطربت يده وهو يعالج فتح الصندوق ،



وأخذ جبينه يتصبب عرقا ،



وبطرف عينه نظر إلى الوالي الجالس



فرآه مبتسما هادئاً ،



مما زاد في اضطرابه وقلقه ..!




فلما هم بوضع رغوة الصابون




لاحظ الوالي ارتعاشة يده ،




فأخذ يراقبه بحذر شديد ، وتوجس



،



وأراد الحلاق أن يتفادى نظرات الوالي إليه ،



فصرف نظره إلى الحائط ،



فرأى اللوحة منتصبة أمامه




( فكر قبل أن تعمل ! ) ..!!





فوجد نفسه يسقط منهارا بين يدي الوالي



وهو يبكي منتحبا ،



وشرح للوالي تفاصيل المؤامرة !!




وذكر له أثر هذه الحكمة



التي كان يراها في كل مكان ،



مما جعله يعترف بما كان سيقوم به !!



ونهض الوالي




وأمر بالقبض على قائد الحرس وأعوانه ،



وعفا عن الحلاق ..




وقف الوالي أمام تلك اللوحة



يمسح عنها ما سقط عليها من غبار ،



وينظر إليها بزهو ، وفرح وانشراح ،



فاشتاق لمكافأة ذلك العجوز ،



وشراء حكمة أخرى منه !!




لكنه حين ذهب إلى السوق وجد الدكان مغلقاً ،



وأخبره الناس أن العجوز قد مات !!



= =

الشعف
05-24-2010, 06:08 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الغويد
05-25-2010, 12:00 AM
مشكور أخي العاقل قصة تميزت بحكمه وفعلا مثل ما قال

فكر قبل أن تعمل

الاعتدال
05-25-2010, 12:14 AM
موضوع في غاية الاهميه ومميز تسلم على المشاركه الرائعه في معانيها جزاك االله خيراا على الحكم المفيده

العاقل
05-25-2010, 07:45 AM
شكرا لكم على مروركم