[frame="10 80"][foq]بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هاتان قصتان مؤثرتان للعظة والعبرة ........[/foq]


كيس القمامة
د. ميسرة طاهر
كان يوما باردا في حي جديد في أحد أطراف المدينة حيث يستطيع المرء أن يرى البعيد لقلة العمران، ودع عبدالله زوجته سائلا إياها: هذا كل ما تريدينه من السوق؟ قالت: نعم، فابتسم قائلا:لن أتأخر بإذن الله.
خرج من داره وتوجه بسيارته نحو الشارع الرئيسي ولمح فور انطلاقه كيسا كبيرا أسود اللون بجوار حاوية القمامة، ولفت نظره أنه مستقيم المظهر وصارت معالمه تتضح كلما اقترب منه، فقد شده ما يظهر على الكيس من حركة تشبه الرعشة ولكنه أقنع نفسه بأن الريح سببها، وحين صار على مقربة منه أدرك أن صوت أنين ينبعث من داخله، توقف ونزل بسرعة ليجد فيه امرأة عجوزا لونها كلون الكحل، تئن وترتجف ولم يستطع أن يعرف كلمة مما تقول، حملها بين ذراعيه بعد أن أبعد عنها الكيس وعاد بها لسيارته وأقفل عائدا من حيث أتى، صعقت زوجته حين وجدته قد عاد بسرعة وهو يحمل عجوزاً زرقاء اللون بدل أكياس حاجات البيت. صاحت: ما هذا؟ قال: أشعلي الدفاية...قالت: حاضر ولكن ما هذا؟ قال: مثلك أنا لا أعرف ولكني وجدتها في كيس قمامة عند الحاوية.قالت: وشو....، ونظر كل منهما للآخر وهما لا يصدقان ما يريانه أمامهما.
أشعلت المدفأة وأحضرت ما يمكن أن يدفئ العجوز وركضت إلى مطبخها لتحضر بعض الشاي الساخن عله يعيد الدفء إلى جسدها النحيل وعلها أيضا تفهم قصتها.
كان عبدالله لا يزال يحاول أن يفهم من هي وماذا جاء بها إلى الكيس لتصبح جارة لحاوية القمامة،وبعد جهد فهما أن لهذه العجوز ثلاثة أولاد، شعروا جميعا بثقل وجودها معهم فاختلفوا عند من ستسكن، ثم اقترح الأكبر أن تعيش في بيت كل منهم أسبوعا وبدأ بنفسه، ومن اليوم الأول الذي وصلت فيه لبيت الابن الأوسط اتصل بأخيه ليخبره أن أمه ستكون عنده مع نهاية الأسبوع وطلب أن لا يتقاعس عن الحضور كعادته، وقام بمثل هذا الاتصال كل يوم حتى جاء موعد ذهابها لأخيه الأصغر ولكن الأخير لم يحضر فأقسم الأوسط إن لم يأت في موعده ليضعنها في كيس قمامة ويرميها عند الحاوية ويتحمل الأصغر وزرها؟!
وتأخر الأصغر وبر الأوسط بقسمه.
هذه القصة أبطالها لا يزالون أحياء باستثناء العجوز فقد انتقلت إلى حيث رحمة الله الأوسع وبقي أولادها الذين نسوا أن بعد الممات حسابا وانها سبب وجودهم واننا ندفع القسط الأول من الثمن في الدنيا والباقي ندفعه بين يدي العدل المطلق حيث العملة الوحيدة المقبولة عنده هي العمل... فهل التزموا بقوله عز وجل: }إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما| أم أنهم تعدوا «الأف» إلى سلوك ثمنه باهظ ربما ساقهم هم أنفسهم ليكونوا يوما في واحد من الأكياس السوداء ومن يدري فربما وضعهم به أحد أبنائهم؟






عجوز أبكتني

د. ميسرة طاهر
كانت ساعة من ساعات الزحام في جدة وفي مكان يشهد الزحام أغلب ساعات النهار والليل، وكانت تسير حاملة كيسها في يدها شاردة الذهن، وكلما مرت بجانب سيارة أشار ركابها بسباباتهم إلى السماء وكأن لغة الإشارة تقول لها (الله يعطيك ...)والملفت للنظر أن تلك العجوز لم تكن تطلب من أحد شيئا فقد شغلها بحثها عن برميل قمامة آخر غير الذي رأيتها تقف عنده وتبحث فيه عن علبة مرطبات معدنية أو كرتون فارغ شغلها هذا الهم عن أصابعهم، كما شغلها عبور الشارع بين هذا الكم الهائل من السيارات المتوقفة قبل أن تنطلق مزمجرة عند رؤية سائقيها لون الإشارة الأخضر، فالوصول للرصيف الآخر هو الهم والبحث في برميل جديد هو الشغل الشاغل لها.
ناداها سائق سيارة وفتح نافذة سيارته ليعطيها قطعة نقدية ورقية أخذتها وهي تتمتم بالشكر له ولكن وكأن صاعقة أصابتها حين فردت القطعة النقدية وتأكدت أن ما بين يديها خمسون ريالا.
صاحت قائلة: وي ... وي .... وي .... وهي كلمة عامية دارجة على ألسنة الكثير من نساء جدة وتعني التعجب والاستغراب والاستهجان ...
رمت كيسها وما به من مقتنيات جلبتها من صندوق القمامة صائحة: الله يعطيك الخير ويرزقك وركضت أمتارا قليلة بعيدة عن السيارات لتجثو على ركبتيها رافعة يديها إلى السماء ودموعها على خدود كرمشها الزمن ورسم تجاعيدا تشير إلى قسوة السنين التي تحملها على كتفيها...
لا أدري ما الذي أصابني فقد وجدت نفسي أبكي...
هل بكيت حزنا على ضعفها...؟
أم على روعة شكرها للرازق الذي تخاطبه شاكرة حامدة على (خمسين ريالا)ربما لم تلمسها يدها من زمن بعيد ....؟
[/frame]