قال الله تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي)(البقرة/186) .
وقال تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(الأعراف/55) .
وقال تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(غافر/60) .

فسبحان الله العظيم ذي الكرم الفياض والجود المتتابع ، جعل سؤال عبده لحوائجه وقضاء مآربه عبادة له وطلبه منه ، وذمه على تركه بأبلغ أنواع الذم فجعله مستكبرًا عليه ، وهدده بأشد ألوان التهديد فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) .


وعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " الدعاء هو العبادة " ثم تلا الآية : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) "(رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح) .

والعبادة هي التذلل والخضوع ، والدعاء إظهار فقر وحاجة وتذلل من العبد الفقير الضعيف الذي لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعـًا إلى الله عز وجل القادر على جلب جميع المنافع ودفع جميع المضار ، والذي إذا أعطى الأولين والآخرين الإنس والجن جميع مطالبهم ، وحقق لهم جميع مآربهم لا ينقص ما عنده ، كما قال تعالى : (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ)(النحل/96) .


وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه "(رواه البخاري ومسلم).


أي لم ينقص ما في يمينه ، والله عز وجل يحب أن يتفضل على عباده بالنعم ، ويحب من العباد أن يعترفوا بفقرهم وذلهم وحاجتهم واضطرارهم إليه عز وجل كما قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)(الأنعام/42) .


فالله عز وجل يبتلي الناس ليظهر فقرهم إليه ؛ ولذا أحب الله عز وجل الدعاء .
عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إنه من لم يسأل الله يغضب عليه "(رواه البخاري وأحمد) .


رأى أحد العلماء رجلاً يتردد على أحد الملوك فقال له : يا هذا تذهب إلى من يَسُدُّ دونك بابه ، ويظهر لك فقره، ويخفي عنك غناه ، وتترك من يفتح لك بابه ويظهر لك غناه ويقول : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )(غافر/60) .


وفي ذلك قيل :
لا تَسْأَلَنَّ بُنَيَّ آدَمَ حَاجَـةً وَسَلِ الذي أبْوابُـه لا تُحْجَبُ
الله يَغضَبُ إنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ وإذا سَأَلْتَ بُنَيَّ آدَمَ يَغْضَـبُ


وقال تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)(النمل/62) ، والدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه وانتفاء موانعه ، فيقطع بقبوله مع توفر شروطه وانتفاء الموانع ، والأدلة على ذلك من الكتاب ما تقدم من الآيات ، ومن السنة حديث سلمان الفارسي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إن الله حييٌ كريم يستحي إذا رفع الرجل يديه أن يردهما صفرًا خائبتين "(رواه الترمذي وقال : حسن غريب) .


ولأنس بن مالك عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد "(رواه ابن حبان ، والحاكم) .


ولأبي سعيد الخدري عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها "(رواه الحاكم وصححه) .


والدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ، ولكن قد يتخلف أثره عنه إما لضعفه في نفسه ـ بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان ـ وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جدًا ، فإن السهم يخرج منه خروجـًا ضعيفـًا ، وإما لحصول المانع من الإجابة : من أكل الحرام ، ورين الذنوب على القلوب ، واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو وغلبتها عليه .


والدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل ، فله من البلاء ثلاثة مقامات :
أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .
الثاني : أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد ولكن قد يخففه .
الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه .
ولكل ما تقدم فإن الدعاء من أنفع الأغذية للقلب.

------

الشبكة الإسلامية