بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أُمّةُ إقْرَأْ / لا تَقْرَأْ !
كَثيْراً ما يتَرَدّدُ صَدَى هذه العِبارَة بِأٌذٌنِيْ .., وكَثيْراً مَا تُؤلِمُنِيْ ..,
تحسّرتُ عَلَى أَمْجَادٍ مَضَتْ ..، أَضَعْنَاهَا بِأَيْدِيْنَا..,, واسْتِسْلامِ / مِنْ أُمّةِ الإِسْلامْ !

د . عائضْ القَرْنِيْ / تحدّثَ عَنْ حَالِ أُمّةِ اقْرَاْ بكلّ مصْداقيّة / شفَافيّة ..,, في مقَالَتِه..،

{ العَرَبْ لا يَقرَؤون ! }

اقتباس:

إذا ركبت مع أوربي وجدته خانساً منغمساً يقرأ في كتاب، وإذا ركبت مع عربي وجدته يبصبص كالذئب العاوي، أو كالعاشق الهاوي، يتعرف على الركاب، ويسولف مع الأصحاب والأحباب. بيننا وبين الكتاب عقدة نفسية، ونحن أمة (اقرأ)، ولكن ثقلت علينا المعرفة، وخف علينا القيل والقال، ولو سألت أكثر الشباب: ماذا قرأت اليوم ؟ وكم صفحة طالعت ؟ لوجدت الجواب: صفر مكعَّب، مع العلم أن غالب الشباب بطين سمين ثخين بدين، لأنه مجتهد في تناول الهنبرقر والبيتزا، وكل ما وقعت عليه العين ووصل إلى اليدين:

سل الصحون التباسي عن معالينـاواستشهد البَيْضَ هل خاب الرجا فينا
كم (كبسة) شهـدت أنـا جحافلهـاوكـم خـروفٍ نهشنـاه بأيديـنـا

يحتاج شبابنا إلى دورات تدريبية على القراءة، لأنهم وزّعوا الأوقات على السمر مع الشاشات، أو التّحلق على الكبسات، أو متابعة آخر الموضوعات.
الإنسان بلا قراءة قزم صغير، والأمة بلا كتاب قطيع هائم، طالعت سِيَر العظماء العباقرة فإذا الصفة اللازمة للجميع مصاحبتهم للحرف، وهيامهم بالمعرفة وعشقهم للعلم، حتى مات الجاحظ تحت كتبه، وتوفي مسلم صاحب الصحيح وهو يطالع كتاباً، وكان أبو الوفاء ابن عقيل يقرأ وهو يمشي، وقال ابن الجوزي: قرأت في شبابي عشرين ألف مجلده، وقال المتنبي: وخير جليس في الزمان كتاب

سألت شباباً عن مؤلفي كتب مشهورة فجاءت الإجابات مضحكة
قال صاحب كتاب فن الخطابة: العظمة هي قراءة الكتب بفهم، وقال الروائي الروسي الشهير تيولوستي:قراءة الكتب تداوي جراحات الزمن، وقال الطنطاوي: أنا من ستين سنة أقرأ كل يوم خمسين صفحة ألزمت نفسي بها:

جمالَ ذي الدارِ كانوا في الحياةِ وهمْبعدَ المماتِ جمالُ الكتـبِ والسيَـرِ

صح النوم يا شباب فقد انقضى العمر، وتصرّمت الساعات، وقتل الزمان بالهذيان وأماني الشيطان وأخبار فلان وعلاّن، استيقظوا يا أصحاب الهمم الهوامد، والعزائم الخوامد، والذهن الجامد، والضمير الراقد:



وَلَو نار نفخت بِها أَضاءَتوَلَكن أَنتَ تَنفخ في رَمـادِ



قاتل الله التسويف والإرجاف، وسحقاً لمن زرع شجرة «ليت» لتثمر له «سوف»، وتخرج له «لعلَّ» ليذوق الندامة:

وَمُشَتَّتِ العَزَماتِ يُنفِقُ عُمرَهُحَيرانَ لا ظَفَرٌ وَلا إِخفـاقُ

حيّا الله الهمم الشماء، والعزيمة القعساء، التي جعلت أحمد بن حنبل يطوف الدنيا ليجمع أربعين ألف حديث في المسند، وابن حجر يؤلّف فتح الباري ثلاثين مجلداً، وابن عقيل الحنبلي يؤلف كتاب الفنون سبعمائة مجلد، وابن خلدون يسجّل اسمه في عواصم الدنيا، وابن رشد يجمع المعارف الإنسانية:

لولا لطائف صنع الله ما نبتتْتلك المكارم في لحمٍ ولا عصبِ

وددتُ أنَّ لنا يوماً في الأسبوع يخصص للقراءة، ويا ليتنا نبدأ بمشروع القراءة الحرّة النافعة عشر صفحات كل يوم تُقرأ بفهم من كتاب مفيد لنحصد في الشهر كتاباً وفي السنة اثني عشر كتاباً، ولتكن قراءة منوّعة في ما ينفع لتتضح أمامنا أبواب المعرفة وتتسع آفاقنا، وتُنار عقولنا.
فيا أمة (اقرأ) هيا إلى قراءة راشدة، واطلاع نافع، وثقافة حيّة، ومعرفة ربانية، وسوف تنتهي بكم التجارب إلى أن الكتاب خير جليس، وشكراً للأمير بن صمادح حيث يقول:

وزهدني في الناس معرفتي بهـموطول اختباري صاحباً بعد صاحبِ
فلم ترنـي الأيـام خـلاًّ تسرنـيمباديه إلاّ ساءني فـي العواقـبِ
ولا قلت أرجـوه لكشـف ملمـةٍمن الدهر إلاّ كان إحدى المصائبِ!
فليس معـي إلاّ كتـاب صحبتـه يؤانسني في شرقهـا والمغـاربِ