الأزمة المالية
بين
الريال والدولار
مع اشتداد وطأة الأزمة المالية العالمية وكثرة التحذيرات من خبراء الإقتصاد بدا من الواجب علينا ان نكون اكثر وعيا في التعامل مع معطيات جديدة وهنا اتقدم للقاريء الكريم بقراءة متمعنة نربط فيها واقع الأزمة العالمية بإقتصادنا اليوم وإني وأنا اعرض بين يدي القاريئ الكريم هذه المادة الإيضاحية انوه بأنني لا أقدم حلا أو ادعي ذلك ولكن حسبي أن اظهر خطورة الأمر وأكشف الستار عن أسراره وأزيل غمامته السوداء ليرى الناس واقعهم المريب علهم يحذرون لأن الأمر خطير جد خطير .
وفي البداية اشير سريعا الى ان واقعنا الإقتصادي لم يكن يوما ما قائما على أسس اقتصادية واضحه او استراتيجيات ثابتة المعالم يمكن من خلالها استشراف اقتصاد البلاد لا أقول للعامة من الجماهير بل إن الضبابية كانت الى وقت قريب تحجب نور المعرفة الإقتصادية للبلاد حتى عن ذوي الإختصاص الإقتصاديين ونحن اليوم على نسمع ونرى في كافة وسائل الإعلام المحلي منها والأجنبي أن دول العالم التي تقوم على اساس الشفافية والوضوح مع شعوبها اعلنت نفيرها الإقتصادي العام واستعدت لواقع جديد بنت له سياساتها واستراتيجياتها ترقبا لما قد تؤول اليه الأحوال ونحن وللأسف لا يزال خبراؤنا الإقتصاديون يتحدثون عن اقتصادنا بوردية خلابة ورفاهية جذابة وكأننا نعيش خارج كوكب الأرض بخلاف العالم الفسيح كله الذي بدا وكأنه يترنح جراء ما ألم به من نقمة هذا ونحن لانزال في بداية الطريق !!!
إن دول العالم الأول بإمكاناتها الإقتصادية العظيمة ورؤوس أموالها الطائلة وإنتاجاتها الضخمه وصادراتها الكبيرة واستقلالها الكامل وبالرغم من اكتفائها وكفاءاتها إلا أنها أعلنت على ملأ شعوبها خطورة المرحلة ومتطلبات الموقف وسمعنا ذلك يتكرر كثيرا من خبرائها وكبرائها السياسيين والإقتصاديين على حد سواء فها هو رئيس العالم الجديد أوباما يعلن قائلا "إن العالم مقبل على أزمة إقتصادية خطيرة" وكذلك شاهدنا الحكومة البريطانية تعلن رسميا دخول بلادها في مرحلة الركود الإقتصادي .
فأين نحن من هذا التصريح وذاك من دول هي الأغنى اقتصاديا والأقوى سياديا في العالم؟؟
أولنسنا إلا جزء من ذلك العالم بل تبعا له ؟!!
وحتى لا ألقي الكلام على عواهنه وبما أن الأمر يتعلق بواقع بلادي واقتصادها وبأبناءها ولما كان مدار الأمر هو عن اقتصادنا في السعودية خصوصا فلعلي اقدم لإخواني مفاتيح مغاليق الأزمة ولكنها ليست الحلول بالطبع علنا إن لم ندرك الحلول لا أقل بأن ندرك مكامن الخطر ولنمتص الصدمه.
ولبيان ذلك سنتعرف على أولا وباختصار على منشأ الأزمة العالمية وأصلها لنقدم رؤية ابعد في الأفق ثم ننظر بشمولية اكبر لتقترب الفكرة ويتجلى الفهم......
إن المعضلة بدأت مع ما يسمى بالرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية ولكنه في واقع الأمر كما جاء على لسان الخبراء والمحللين لم تكن هي وحدها سبب الإنهيار بل كانت هي الحلقة الأضعف من جراء السياسات الإقتصادية المتعلقة بالأوراق المالية وطبيعة حركتها في الإقتصاد الأمريكي إذ اوقعت البنوك الكبرى نفسها في فخ الأصول المزيفة التي لا تعبر حقيقة عن الأرصدة المتاحة في خزائنها البنكية وتاجرت ببيع المال بالمال في شكل قروض تقدم كأصول لا غطاء مالي لها وتم التعامل بها من قبل العامة والمؤسسات والشركات الكبرى بهذه الصفة "السندات" كونها وثيقة بنكية مختومة بالأختام الرسمية للبنك فاعتبرت التجارة على هذا الأساس واعتمد المتعاملون على هذه "السندات" وهي في حقيقتها لا تساوي الحبر الذي كتبت به ارقامها فهي وهم في شكل "سند" معتمد من بنك موثوق !!
وما إن تكشفت بعض حقائق هذه المعاملات الوهمية حتى تدافع ملاك الأصول والسندات يطالبون البنك بسداد هذه الأصول التي تقدر بآلاف المليارات فوجد البنك حينها خزائنه عاجزة عن سداد هذه الأصول والسندات الأمر الذي كشف الستار عن وهمية الأصول ووهمية الحركة الإقتصادية إذ لا حقيقة على أرض الواقع اقتصاديا لما تحكيه هذه السندات وتلك الأصول من آلاف المليارات المتوهمه.
فإذا كانت هذه الشركات والبنوك الكبرى قد وقعت ضحية بيع المال بالمال لأجل الفائدة بل وتخطت حدود رؤوس أموالها الحقيقية لتصدر سندات وأصول وهمية لا وجود لها في الخزائن الأمر الذي بفضاعته بدأ يفسر لنا وللعالم كله أسباب الإرتفاعات اللامبررة التي شهدها العالم كله وأحسسنا بها في بلادنا كذلك ولا نزال والذي اسفر الى وجود تضخم كبير الدولار ونظرا لارتباط الريال معه رأيناه تسبب في تعجيز الكثيرين على مواكبة الواقع الإقتصادي مما جعلهم أمام امرين أعني الشركات الكبرى والمؤسسات المالية الأمريكية العالمية :
1- إما استمرار حياة الرفاهية الوهمية وحبلها بات اقصر مما يتوقع ونتائجها وخيمة لا تقدر .
2- وإما العودة الى اقتصاد حقيقي تنسجم فيه العملة كقيمة "الدولار" مع الحركة الإقتصادية المادية الملموسة والمشاهدة على أرض الواقع.
وبالتأكيد نرى لزاما لذوي العقل وأرباب اللب من خبراء الإقتصاد والسياسة أن يستيقنوا حتمية الخيار الثاني الذي لا مرية فيه ولا مناص سواه لاحتواء الأزمة المالية قبل فوات الأوان واتساع دائرة الركود والكساد .
عليه عاجلا أم آجلا سنرى العالم يتجه إقتصاديا الى إعادة تقييم معايير الأثمان وهي العملات العالمية"الدولار,اليورو,ال ن,الجنيه الإسترليني,الفرنك السويسري" تقييما دقيقا يخضع لواقعية الإقتصاد المشهود كأساس في تحقيق الموازنة المالية مقابل أسعار صرف العملات ومن ثم ربط القيم الفعلية بالذهب "أصل الأثمان" .
وهكذا يمكننا تفسير واقعنا الإقتصادي في المملكة في أطر عدة اجملها كما يلي:
إن كون المملكة بلد مستهلك من الدرجة الأولى فهي لا تملك عمليا دورة اقتصادية متكاملة او شبه متكاملة وكونها دولة مستهلكة لاتقوم إلا بغيرها "إعتمادا كليا" فإن ارتباط الريال بالدولار يعد من أعظم اسباب انحراف السياسة الإقتصادية عن سياقها الصحيح الذي يلبي التطلعات التنموية والمتطلبات الشعبية داخليا وكذلك دوليا.
ويمكن القول جزما بأننا كدولة مستهلكة من الدرجة الأولى ومرتبطة في سياستها المالية والإقتصادية بالإقتصاد الأمريكي" بتثبيت سعر صرف الريال تبعا لقيمة الدولار" فذلك قطعا يعني أن الذهب الذي هو أصل الأثمان كما سبق بيانه لا يكون في الخزينة السويسرية المعنية بتقييم العملات تبعا لغطاءها من الذهب إنما تتم تغطية "الريال" ذهبا في الخزينة الأمريكية لأن تثبيت سعر صرف "الريال" "بالدولار" يلزم منه أن تكون أصول أثماننا من "الذهب" في الخزينة الأمريكية .
لأنه وببساطه إذا كان ارتباط الريال بالدولار "كقيمة ثابتة" يعني أن الريال هو نفسه الدولار اللهم فقط اختلفت شكل العملة فتلك تحمل صورة "جورج واشنطن" وهذه تحمل صورة"خادم الحرمين" وكذلك لا يمكن لعاقل ان يقول ان المملكة تراعي باستمرار المعادلة "الثمنية"للذهب في بنوك سويسرا زيادة ونقصا تبعا لارتفاع الدولار وهبوطه في محاولة لاستمرارية تثبيت سعر الصرف مع الدولار لأن هذا محال "عمليا" حتى لو سلمنا بها "كفكرة" لأنه هراء لا يقبله عقل ولا يقره منطق.
إذا أين سينتهي مصير "الريال" إذا أعيدت موازنة "الدولار" ومعادلته بأصله "الذهب" ؟؟
إن هذا النهج في تقييم سعر صرف الدولار قد يحل ازمة أمريكا وأوروبا والدول الصناعية الكبرى المنتجة كونه سيستدرك عليها تبعات أكبر حجما وأكثر خسارة وهي في أصلها دول كما سبق ذكره مكتفية ذاتيا لا تقوم بغيرها فقد يتطلب الموقف لهم بعض الخسارة لاستعادة الإقتصاد من نقطة اللاعودة ثم انهم لن يتكلفوا مثلما سنتكلف من جراء هذه الموازنة الجديدة وإن قضوا في ذلك وقتا لا يظنه أحدهم باليسير ولكن صدقت فيهم الحكمة القائلة "مالا يدرك جله لا يترك كله" .
ولكن.....
ماذا سنعمل نحن وكيف لنا إدارة أزمتنا حينها لأن إعادة تقييم "الدولار" ومعادلته بالذهب لتحقيق العدالة "الثمنية" بلا شك ستفقده قوته الشرائية ولكن كما أسلفنا قد يتخطون هذه العقبة كونهم منتجين ومكتفين ولكن البأساء بنا نحن ستحل فكيف بنا إذا انخفضت قوة "الريال" الشرائية تبعا للدولار حينها سنجد أننا وقعنا في محيط لا قاع له قريب ولا صراخ فيه يسمع أو نحيب إذ أننا وقبل ان ندخل في لجة الأزمة ونحن في بداية الطريق كغيرنا نعاني تضخما هو الأشد في تاريخ الإقتصاد الحديث كما وأن الدول المنتجة ستزداد نهما بعد معادلة قيم أموالها "الثمنية" وترفع علينا اسعار سلعها وستزيد من حدة الضيق وشدة الأزمة وسنرى أنفسنا نرزح تحت حملين ثقيلين هما:
1- ضعف عملتنا"الريال" تبعا لضعف "الدولار" مما يزيد التضخم ويثقل الكاهل الإقتصادي.
2- جشع الدول المنتجة ومحاولة تعويض خسائرها برفع اسعار منتجاتها تحت ضروراتنا المحلة لقبولها بأي ثمن لأننا وباختصار ""مستهلكيييين"".
وهكذا بلغنا حدا إقتصاديا اكل الطبقة الوسطى ولا يزال ينخر في الطبقة البرجوازية ويالله كيف المآل ومن أين المنال؟؟!!!
وقبل أن أختم :
لا يظن أحد بي إرجافا أو تخويفا فليس هذا لي بمنهج ولكني أكثر واقعية وأكثر انفعالا مع المعطيات .
أقول في آخرها:::::::::
أرجعوا للأصل "الذهب" واشتروا قدر طاقتكم فإن ما يستدرك اليوم لن يستدرك غدا.

اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.