العملة الخليجية الموحدة
"الدولار الآخر"


لقد أقدم العالم بأسره على ارتكاب أكبر جناية اقتصادية في تاريخ البشرية جمعا مذ قام بفصل التعاملات بالأوراق المالية عن أصلها الحقيقي "الذهب" إذ لم ينتهي حدود هذا الجرم هنا وحسب بل انتخبت عملة واحدة جعلت هي الثابت في قراءة الثمنية مقابل الذهب فإن كان وبعد الحرب العالمية الثانية من المشروع لأمريكا التي كانت تملك أعظم احتياطي من الذهب ان تجعل من عملتها ثابتا لقراءة قيمة الذهب فليس من حقها بعد ذلك وتحت ذرائع ومزاعم كاذبة ان تسلب الذهب قيمته العملية ليصبح الدولار هو القارئ الوحيد لثمنه والمتجرد من أي تبعات تلزم من هذه القراءة فتنطلق عجلة الظلم والجور متحررة من غطاء الذهب وبوهم انعدام الكفاية من الذهب في العالم والتي لا يمكنها مواكبة التسارع الإقتصادي المزعوم على هذا النحو وفتح أبواب البطالة والفقر على مصراعيها فتخفض بهذا الزور شعوبا وترفع أخرى والمعيار في هذه الأحكام هو الزيف والباطل وليس الصحيح والحق وذلك تبعا لسياسات الكبار وقهر الجبابرة الفجار بلا ضابط صريح ولا منهج صحيح فنراها وقد تتابعت النكبات في أرجاء المعمورة متفاوتة في أحجامها مختلفة في بيئاتها تبعا لطبيعة الأسباب وعوامل المسببات لتنتهي الى غاية واحدة وشريعة واحدة هي الإستئثار بأملاك الدنيا كلها لنوع من البشر أطلقوا لأنفسهم العنان في تحديد أقوات الناس يوما ما وهاهم اليوم ينتهون الى تحديد مصيرهم....
وإن ما نراه اليوم ونسمعه من تدهور الإقتصاد العالمي وانتكاسته لم يزل في عرف الخبراء الإقتصاديين إلا مقدمات بسيطة ونتف خفيفة تنبؤ بنكسة كبيرة ونكبة عظيمة لن تبرح حتى يصبح العالم كله يرزح تحت وطأة "عصابات عالمية مالية" تبادر شعوب الأرض بعد استنزاف أموالها بأنفسهم وأهليهم قتلا وتشريدا وبطشا وتعبيدا حتى يصبح العالم كله وكأنه إقطاعية كبيرة يحكمها "..........." وليست بروتوكولات حكماء صهيون ببعيدة ليستحضرها القارئ الكريم إذ سيدهشه بديع فعالهم فيها تنفيذا أكثر منه تخطيطا وتنظيرا!!
لقد جعلت قوة الإقتصاد العالمي على هذا النحو من السلوك زيفا لا يمكن ان يعلم لحقيقته حدود كما ولا يخضع في إطاره العملي لأي ميزان من موازين العلوم الإقتصادية ومعاييرها ...
إنها الفوضى الإقتصادية ونظمها فلا يعيش في ظلامها سوى خفافيش الأموال وسارقوا مقدرات الأمم والشعوب.
إن اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى مهما بلغت في ذروتها وتقدمت في جودتها لن تنفك أسيرة الفوضى التي أرغمتها ونظمها المتطورة أن تخضع للثابت المنفرد في ميزان الإقتصاد الدولي "الدولار" فلا سبيل لتجاوزه أو تهميشه على صعيد أي نوع من المعاملات داخل هذه الدول او خارجها .
ولو أخذنا مثالا على ذلك دول الإتحاد الأوروبي وعملتها الواعدة "اليورو" كما يزعم المتهوكون ولو بلغت ما بلغت من قوة ثمنية قد يجد فيها سوق الأوراق المالية جرأة لم يسبق لسواها ان جعلت الدولار يهبط أمامها في مستويات متدنية فإن أرباب هذه العملة سرعان ما يدركون حقيقة حتمية وهي أن هذه العملة في لحظة التداول مع غيرها او الشراء بها ترجع حسيرة كسيرة لتقيم ذاتها أمام "الدولار" لأنه الثابت الذي يفرض على أوروبا كلها بل والعالم أجمع أنه ما من سبيل للتواصل مع هذا العالم واقتصادياته إلا من خلال "الدولار" وذلك أن (نظم الفوضى الاقتصادية) تنص على أن أي عملة مهما علت أو سادت وشاعت لا يعرف لها ثمنية ولا معيار إلا بعد تسميتها من قبل "الدولار" ..
فمن سيعرف "لليورو,الين,الجنيه,....." قيمة يصطلح عليها لولا "الدولار"؟!!
إذا لا شرعية لأي اقتصاد او عملة في الدنيا كلها إن لم يجعل لها الدولار شرعية ويسمي ثمنها حتى ولو كان الدولار ذاته في أدنى مؤشراته وأدنى مستوياته فإنه المشرع الوحيد الذي يحق له تسمية اموالها باعتبار قيمها الإقتصادية حتى لو كان كما لم يكن!!!
ومن هنا وبعد استقراء الطبيعة الدولية في اعتبار الإقتصاديات بهذا النمط الجائر وتلك الفوضوية المقيتة وفي ظل الأزمة الإقتصادية الطاحنة اليوم فإننا وببساطة يمكن أن نحصر "أزمة الأزمة" نفسها في زاويتها المهمة بحقيقة شاملة ملمة وهي مرة أخرى"الذهب".
لقد كان التضخم في الأموال النقدية نتيجة طبيعية لهذا النمط من السلوك الإقتصادي المهووس بالتضخم على حساب واقع منكمش انتهى بأرباب الأموال من اصحاب النفوذ والقرار أن يبحثوا للأزمة توطئة بها يبادرون قبل أن تطأهم وذلك في جملة من الحلول كان وقع آثارها منه الجبري العاجل كإفلاس اكثر من ثلاثين بنكا في امريكا وإفلاس شركات صناعية كبرى وجب التسليم بها والإنكسار أمام أمواجها ثم تلتها خطوة اخرى مهمة على ذات الصعيد وكانت أهميتها تكمن في جعل العنصر الأهم والمحور الرئيس لهذه الأزمة وهو "الذهب" حاضرا وإن كان تلميحا أكثر منه تصريحا وكان ذلك جليا في القرارات التي خرجت بها "قمة العشرين" وعلقت في حينها ولمن اراد الرجوع للمقال على الشبكة العنكبوتية فهو بعنوان"قمة العشرين حلول أم تحايل!!".
وها نحن الآن وبعد كل ماذكر فإن لباب الأمر وغاية المرام فيه ما يلي:
تلت الخطوات الآنفة الذكر خطوة هي الأخطر في تاريخ الدول الخليجية (السعودية,الكويت,قطر,البحري ن) فإنها لن تبقي لنفسها بعد ذلك من صديق ولا ولي يفيد حين الثأر منها أو التحقيق ......إنها العزلة عن الصديق بدأت بذاتها في انسحاب (عمان,الإمارات) وستنتهي بإخراجها من دائرة الإستقلال السياسي في إنشاء العلاقات أو قطعها او استئنافها مع سواها ممن تربطنا به علاقة استراتيجية من الغرب البعيد أو الشرق القريب او من هنا وهناك...بسبب ما أطلقوا عليه"العملة الخليجية الموحدة" وأطلقت أنا عليه "الدولار الأمريكي الآخر"....
وحتى الزم القارئ الكريم خيوط الحقيقة اطرح بين يديه مجموعة من الأسئلة تكون مرتكزا للتفصيل والتدقيق:

1. هل سترتبط العملة بالدولار .....ولماذا؟
2. هل ستصبح العملة مسمية لسعر برميل النفط.......ولماذا؟
3. هل ستكون العملة منذ إطلاقها رسميا في متناول شعوب الدول المعنية بها....ولماذا؟
4. هل حقا هبوط الدولار اليوم وارتفاع اسعار النفط مؤشرا على بداية العد التنازلي لإنطلاق العملة الجديدة .....ولماذا؟
5. هل ستتأثر العلاقة سلبا مع الدول المنتجة للنفط ممن كانت تربطنا بهم علاقة حميمية او رؤى استراتيجية.....ولماذا؟

ولعلنا ومن خلال الخمسة السؤالات المتقدمة أن نقف بالتفصيل عند طبيعة هذه العملة الجديدة والتي كما أسلفت أسميتها "الدولار الأمريكي الآخر" وهي كذلك ....
إن من أبجديات أي اقتصاد في العالم يريد ان يعتمد لذاته عملة بعينها أن تستند هذه العملة على أسس معينة هي من المتلازمات الضرورية لعل فيما سبق من الأسئلة تلميحا لها إذ لست بصدد الحديث عنها فهي تحصيل لا فائدة منه في طور هذا البحث المركز.
يمكن القول ابتداء أن "العملة الخليجية" حتما ستكون مرتبطة بالدولار الأمريكي فمع انعدام الغطاء الذهبي وإهماله دوليا من أحقيته بتسمية القيمة الثمنية لأي عملة وانحسار هذه النوع من التسمية النقدية على سوق الأوراق المالية فلا يعقل ان تكون العملة الوليدة في كفة سيادية توازي "الدولار" كمثيلاتها من العملات العالمية لأنها وببساطة ستفقد أهدافها التي من أجلها وضعت كما سنبينه في حينه وعليه يمكن القول بتواطؤ المصالح والأهداف من هذه العملة بلا مقابل مباشر أو زيادة أعباء تتحملها دولة خليجية كبرى "السعودية" عن أخرى صغيرة مثل "قطر" لأن اسمية العملة الوحيدة حق لصاحب الحل والعقد فيها وهي أمريكا فالغطاء لها بلا شك سيكون "ارتباطها بالدولار".
بهذه المعطيات يسهل استشراف الطبيعة العملية لهذه العملة المزعومة في تحقيق أهداف أمريكا ودعم اقتصادها ولملمة شعثه من خلال "الدولار الآخر" عبر آليات معقدة ولكنها فاعلة .
ربما يعد ارتفاع أسعار النفط والهبوط المستمر في قيمة الدولار بداية التوطئة لانطلاق العملة الخليجية أو "الدولار الآخر" في نسق مدروس وخطة محكمة فمع انطلاق العملة الجديدة وتسميتها كثابتا لتسعير النفط سرعان ما يواجهها مقاومة وممانعة من قبل الدول الأخرى المنتجة للنفط خصوصا تلك التي لا تربطها علاقات حميمية مع الولايات المتحدة الأمريكية (فنزويلا,إيران,روسيا,....) فلن تبرح تبيع إلا بالدولار وحينها سيستمر الهبوط الحاد في قيمة الدولار يوازيه ارتفاع حاد في اسعار النفط تتيح هذه الحالة الفرصة لأمريكا ان تضغط باتجاه انحسار عملتها "الدولار" في ذات الوقت الذي يزيد الطلب عليه لتأمين المشتقات النفطية فينتهي المطاف بالدول الممانعة ان تجد نفسها أمام ان تبيع بالعملة الجديدة لانعدام الدولار من السوق نظرا لعاملي ارتفاع اسعار النفط التي قد تصل الى 350 دولارا للبرميل وسياسة انحسار الدولار من قبل امريكا عندها ستطلب العملة الخليجية على نطاق واسع وسيكون المقابل لها في المقام الأول ذهبا حتى حين او حتى تتشبع منه أمريكا وبعدها قد يصبح الأمر فيها أكثر سعة لقبول او استبدال العملة الخليجية النفطية بسواها من عملات العالم القوية طبعا إذا سمحت "أمريكا" ولن يكون لهذه العملة من سبيل للبقاء إلا ما بقيت أمريكا أو ما أرادت أمريكا لهذه العملة ان تبقى .
ولكن رغد العيش الذي قد يشعر به الخليجيون (السعودية,قطر,البحرين,الكوي ت) سرعان ما تلبث امريكا الرابح الأكبر منه فحين تهبط العملة المزعومة يكون غرمها على الخليج وحين ترتفع فغنمها لأمريكا فكيف السبيل بعد ذلك منها أو كيف الخلاااااااااااص؟؟؟؟
وكيف بعد إذ لم يعد لنا صاحب أو صديق (فنزويلا,إيران,روسيا,أوروبا ,........)
إنها العزلة إنها العزلة.