السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..



قال تعالى (( والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم))

ماالمقصود باللمم هنا ؟
====================================
الحمد لله
هذه الآية الكريمة في سورة النجم ، وهي تذكر صفات المحسنين
الذين هم أهل الجنة ، قال الله تعالى :

(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا
بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ
إِلا اللَّمَمَ
إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ)
النجم/31، 32 .


وقد اختلف المفسرون والأئمة في معنى اللمم على أقوال ، منها :

1- روي عن جماعة من السلف :
أنه الإلمام بالذنب مرة ، ثم لا يعود إليه ، وإن كان كبيراً ،
قال البغوي : هذا قول أبي هريرة ، ومجاهد ، والحسن ، ورواية عن ابن عباس .

2- وقال سعيد بن المسيب :
هو ما ألم بالقلب . أي ما خطر عليه .

3- وقال الحسين بن الفضل : "اللمم" : النظر من غير تعمد ، فهو مغفور ،
فإن أعاد اللمم : فليس بلمم ، وهو ذنب .


4- وذهبت طائفة إلى أن "اللمم" : ما فعلوه في الجاهلية قبل إسلامهم ،
فالله لا يؤاخذهم به ، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين أنتم بالأمس كنتم تعملون معنا ،
فأنزل الله هذه الآية ، وهذا قول زيد بن ثابت ، وزيد بن أسلم .


5- وذهب جمهور العلماء إلى أن "اللمم" هو صغائر الذنوب .

روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
: لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا ، أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ،
وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) .


قَالَ الرَّاغِب : اللَّمَم مُقَارَفَة الْمَعْصِيَة ، وَيُعَبَّر بِهِ عَنْ الصَّغِيرَة .

وقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُرَاد بِاللَّمَمِ مَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله تَعَالَى
: ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ ) وَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ
. وَقَالَ فِي الآيَة الأُخْرَى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )
فَيُؤْخَذ مِنْ الآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّمَم مِنْ الصَّغَائِر وَأَنَّهُ يُكَفَّر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر اهـ .


قال في تحفة الأحوذي :
اخْتَلَفَت أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ اللَّمَمِ ،
فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ . . وَهو الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ اهـ .
وقال القرطبي رحمه الله :
‏"إلا اللمم" وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله وحفظه اهـ .

وقد ورد في السنة الصحيحة إطلاق اللمم على من يعمل الذنوب المرة ونحوها ،
ولم يداوم على ذلك
.

وهو موافق لمعنى اللمم في اللغة .
ففي حديث الإفك : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِنْ كُنْت أَلْمَمْت بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّه )
قال النووي : مَعْنَاهُ : إِنْ كُنْت فَعَلْت ذَنْبًا وَلَيْسَ ذَلِكَ لَك بِعَادَةٍ , وَهَذَا أَصْل اللَّمَم اهـ .
وقد جمع السعدي رحمه الله في تفسيره بين المعنيين ، فقال

" (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ) أي : يفعلون ما أمرهم الله به
من الواجبات التي يكون تركها من كبائر الذنوب ، ويتركون المحرمات الكبار
من الزنا وشرب الخمر وأكل الربا والقتل ونحو ذلك من الذنوب العظيمة

(إِلا اللَّمَمَ) وهو الذنوب الصغار التي لا يصر صاحبها عليها ،
أو التي يُلِم العبد بها المرة بعد المرة على وجه الندرة والقلة
،

فهذه ليس مجرد الإقدام عليها مخرجاً للعبد من أن يكون من المحسنين ،
فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء ،
ولهذا قال : ( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد ،
ولولا عفوه وحلمه لسقطت السماء على الأرض ، ولما ترك على ظهرها من دابة ،
ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ،
وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) " اهـ .


وليس معنى الآية الإذن لهم في ارتكاب (اللمم) وهي الصغائر ، بل المعنى :
أنهم يجتنبون الكبائر ، ثم ما وقع منهم من الصغائر - على سبيل الزلة والخطأ -
فإنه يقع مغفوراً لهم باجتنابهم الكبائر .

والله تعالى أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله
م