لم يعد ممكنا دفن الرؤوس في الرمل والتعالي على الحقائق أو التقليل من أهميتها. لم يعد ممكنا، وإن توهمنا أنه ممكن فإنما نحن نصر على تخدير عقولنا حتى نصل إلى حد لا تجدي معه إدارة الأزمات ومحاولات التدخل لفك خناق المشكلات المتشابكة المتراكمة المعقدة التي لم تكن لتصل إلى هذا الحد لو أننا تعاملنا مع واقعنا بشفافية وصدق ووضوح.
مثال واحد يمكن الاستشهاد به، فقد نشرت هذه الصحيفة يوم السبت 5 محرم أن أمير منطقة مكة المكرمة وجه بتشكيل لجنة علمية لرصد إشكالات الجريمة في المنطقة من مهماتها اقتراح الحلول المناسبة لمنع انتشار الجرائم وإيجاد سبل لمعالجة مسبباتها. وأضافت الصحيفة أن هذا التوجيه جاء في وقت خلصت فيه دراسة صادرة عن وزارة الداخلية إلى أن 90 في المائة من نزلاء السجون السعوديين عاطلون عن العمل و70 في المائة من هؤلاء العاطلين جامعيون تخرجوا من كليات التعليم العالي.. هذه الدراسة ليست صادرة عن جهة يمكن وصمها بالمبالغة كما هي العادة عندما تصدمنا الحقيقة، إنها صادرة عن وزارة الداخلية وبالتالي فلا مجال للشك في معلوماتها. وهي بلغة بسيطة مباشرة تشير إلى نسبة كبيرة (70 في المائة) من الجامعيين ضمن العاطلين الذين يشكلون 90 في المائة من نزلاء السجون، فهل نحتاج بعد هذه الحقيقة إلى تمييع مشكلة البطالة والتهوين من خطورتها والتسويف في وضع استراتيجية فعالة عاجلة لحلها؟؟.

أن لا تجد عملا مشكلة في كل الأحوال حتى لو لم تؤهل ذاتك لأحقية الحصول على عمل، ولكن حين تكون حاصلا على مؤهل جامعي في دولة غنية قليلة السكان مليئة بالعمالة الأجنبية فإنه وضع يدفع إلى كل الاحتمالات السيئة والضارة. وحين لا يجد الشاب المتعلم عملا يؤمن له لقمة العيش على الأقل فإن أبواب الخطأ تكون مفتوحة بعد أن سدت أبواب الكسب المشروع.. ولطالما سمعنا أنه لا يجب ربط البطالة بهذه المشكلة أو تلك، ولطالما سمعنا عن حلول (سوف) تتخذ للحد من تفاقم أزمة البطالة، لكن الوضع بقي على ما هو عليه بينما الشباب الذين يمثلون الشريحة الكبرى من السكان يتزايدون في الشوارع، وها هم يتزايدون في السجون، فإلى متى ننتظر، وماذا ننتظر أسوأ مما يحدث ؟؟