ينقسم الناس في الحب مذاهب :
فمنهم من لا يؤمن بحب يأتي بعد الحب الأول ، فالحب مرة واحدة ، والقلب لا يحب إلا واحدة .
يقول أبو تمام :


نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى = ما الحبُّ إلا للحبيب الأوّلِ
كم منزلٍ في الأرض يألفُه الفتى = وحنينُه أبداً لأوّلِ منزلِ


لكن فريقا آخر يعتبر الحب الأول وقد انقضى عهده كالميت ، وأن الحب الحقيقي والواقعي للحبيب الآخر ، فهو الذي يعيشه المرء وينعم به .
قال العلوي الأصبهاني:


دعْ حبّ أول من كلفتَ بحبّه = ما الحبّ إلا للحبيبِ الآخرِ
ما قدْ تولى لا ارتجاعَ لطيبه = هل غائب اللذات مثل الحاضرِ
إنَّ المشيبَ وقدْ وفي بمقامه = أوفَى لديّ من الشَّباب الغادرِ
دنياك يومُك دون أمسِك فاعتبر= ما السالفُ المفقودُ مثل الغابر


ويجمع بين المذهبين مذهب ثالث يرى أن لا فكاك أو انعتاق من الحب الأول ، ولا مفر ولا مناص من حب آخر .
يقول الشاعر :


قلبي رهينٌ بالهوى المقتبلِ = فالويلُ لي في الحبِّ إن لم أعدِل
أنا مبتلى ببليَّتين من الهوى = شوقٌ إلى الثاني وذكرُ الأول
فهما حياتي كالطّعام المشتهى = لا بدَّ منه وكالشّراب السلسلِ
قسم الفؤاد لحرمةٍ وللذَّةٍ = في الحبِّ من ماض ومن مستقبلِ
إني لأحفظُ عهد أول منزل = أبداً وآلفُ طيبَ آخر منزل


وعلى خلاف المذاهب السابقة يرى البعض أن الحبيب من تحبه الآن ؛ فليس في الحب أول وآخر .
يقول الشاعر:



الحبّ للمحبوب ساعة حبِّه = ما الحبُّ فيه لآخر ولأوّلِ


فمن وافق رأيه رأي أبي تمام فليردد قوله وليصدح بشعره ، ومن رأى غير ذلك فهناك أبيات كثيرة تسعفه

والله أعلى و أعلم