الخوف من أجواء الجامعة
"الخوف يسيطر على الطالب والطالبة عند دخول الجامعة لأول مرة"، بتلك الجملة بدأ الطالب سعيد الزهراني من جامعة الملك عبد العزيز بجدة حديثه، مضيفًا: الجامعة بالنسبة لي كيان غريب، نعم هناك شوق لبيئة تعليمية جديدة الخيار فيها لي شخصيا، ولكن كانت الصدمة بالنسبة لي عندما سجلت في الجامعة كغيري من الطلاب الذين لم تطأ أقدامهم المدن الكبرى، مثل جدة والرياض والدمام من أهل القرى والبادية الذين كانوا يحلمون بأن تكون لهم وطنا بأضوائها، وزحامها! وجدنا أن هناك فرقا كبيرا فيما نعيشه في قريتنا في جنوب السعودية وما شاهدته في مدينة جدة، من حيث العادات والتقاليد وطريقة العيش وطبيعة الناس.

كان في تصوري أن الجامعة تعني الانفلات من قيود الأسرة، والعيش في مجتمع جديد بعيد عن قيود التقاليد الضاغطة. ولكني كنت أحمل هم الدراسة، وكيف أتمكن من التفوق في خضم هذا البون الشاسع بين مدارسنا في القرية وبين جامعة كبيرة في مدينة كبيرة كمدينة جدة.

الرسوب.. أسباب متعددة


يذكر الباحث فهد الجدّوع بجامعة الملك سعود بالرياض أن الرسوب يعد في التعليم الجامعي السعودي مشكلة خطيرة، إذ يؤدي إلى تأخر الكثير من طلاب الجامعات عن التخرج في الفترة الزمنية المحددة، ويترتب عليه فاقد مادي كبير، ويستنفد كثيرا من الجهود التي تضيع هباءً، ويعيق مسيرة الطلاب الدراسية، ويضعف فعالية نظام التعليم الجامعي، ومردوده الكمي والكيفي معا.

والواقع أن هناك عوامل عدة تكمن وراء ظاهرة الرسوب في التعليم الجامعي في السعودية، وهذه العوامل تتعدى إهمال الطالب إلى عوامل أخرى، منها ما هو مرتبط بالجامعة، ومنها ما هو مرتبط بغيرها، ولا يمكن معرفة هذه العوامل دون الرجوع إلى الطالب الراسب نفسه وأستاذه، فبجانب الإهمال إذن تضاف إليه جوانب أخرى متعددة تؤدي جميعا إلى الإخفاق ويمكن إجمالها في:

عدم دقة بعض أعضاء هيئة التدريس في تقويم تحصيل الطالب الدراسي، وعدم قدرة بعض أعضاء هيئة التدريس على توصيل المادة العلمية، وقلة اهتمام عضو هيئة التدريس بالطلاب ضعيفي التحصيل وافتقار الطرق المتبعة في تدريس المقررات لعنصر التشويق، بالإضافة إلى صعوبة التعامل مع بعض أعضاء هيئة التدريس.. وكذلك بسبب عوامل أكاديمية منها:

اعتماد درجات الشهادة الثانوية كمعيار أساسي للالتحاق بالكلية، وقصور الإرشاد الأكاديمي في حل مشكلات الطلاب الاجتماعية والنفسية، كما أن افتقار الطرق المتبعة في تدريس المقررات لعنصر التشويق، وعدم تحقيق رغبة الطالب في اختيار الكلية التي يريدها وقصور الإرشاد الأكاديمي في حل مشكلات الطلاب الدراسية.

الجامعات السعودية عالميا

لقد دار جدل واسع في الأوساط السعودية حول قدرة جامعات المملكة على دخول مرحلة التنافسية العالمية مع الجامعات المتقدمة، خصوصا بعد تسجيلها مرتبة متأخرة في التصنيف العالمي، حيث جاء تصنيف الجامعات السعودية مخيبا لآمال المهتمين بالشأن التعليمي.

وكان قد جاء ترتيب الجامعات السعودية في المرتبة الـ 2998 من أصل 3000 جامعة عالمية، فضلا عن عدم استحقاقها لأي مرتبة في استفتاء أجري عن أفضل 500 جامعة في العالم، وبالطبع يؤدي هذا الجدل إلى إحباط لدى الكثير من طلاب الجامعة الطامحين لاستكمال التعليم ما بعد العالي على فرض أن خريج الجامعة السعودي غير قابل للتداول في غير السعودية.

ويذهب البعض إلى مهاجمة النظام الجامعي على أساس أنه ليس قادرًا على القيام بدوره الحقيقي في البحث العلمي وخدمة المجتمع، معتبرًا أن النظام الجامعي لا يستطيع منافسة الأنظمة المعمول بها في الجامعات الخارجية، للفت النظر إلى أن المنتج المحلي لن يضاهي أبدا المنتج الغربي، في ظل نظام الجامعات المركزي، بل علق أحد الأكاديميين على هذه النتيجة بقوله: "إن ما ينفق على التعليم في بلادنا، يساوي ما ينفق على التعليم في كثير من البلدان المتقدمة، فلماذا تحتل السعودية مرتبة متأخرة في التصنيف العالمي، لا تأتي بعدها سوى الصومال وجيبوتي؟ فماذا يفعل الطالب حين يرى أنّ جامعات بلاده لا ترتفع إلى منزلة الجامعات في الدول الفقيرة رغم ما ينفق عليها".

رغم ذلك يدافع الدكتور سعد البازعي، من هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، عن الجامعات السعودية، مشككا في الأرقام الدولية، ومعتبرًا أن مصادرها غير موثوق بها، بل إن موقع الجامعات السعودية المتأخر فيه تعمّد لإفشال النهضة التعليمية وتشويه المسيرة.

ثم يتساءل: "كيف تكون جامعة مثل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بسمعتها المتميزة واحدة من آخر الجامعات في العالم؟ كيف تكون جامعة الملك سعود، كمثال آخر، في ذلك الموقع وفيها أساتذة تحكم ترقياتهم عالميا، وفي أفضل جامعات العالم، وتأتي التقارير لتشهد بمستوى متميز؟ أقول ذلك من معرفة شخصية، ولا أظن الوضع مختلفا عن الجامعات السعودية الأخرى أو بعضها على الأقل، ففي جامعة الملك سعود واحدة من أفضل المكتبات في العالم العربي، وقد تكون أكبرها، فكيف تتأخر كل ذلك التأخر في الترتيب الدولي؟

ومن ناحيته يقول الدكتور عبد الله العثمان: إن المؤسسات التعليمية وتلك الجهات الحكومية مسئولة عن عدم دخول جامعاتنا ضمن التصنيف الدولي، بسبب عدم وجود تنسيق حول متطلبات سوق العمل السعودي قبل قبول الطلاب بالجامعة، وذلك لتحديد الاحتياجات التعليمية البنيوية تبعًا لتلك الاحتياجات، مشيرًا إلى افتتاح جامعة الرياض الأهلية في العام الدراسي السابق والتي تُماثل في جودتها جامعة "هارفارد"، وتعد إحدى أرقى الجامعات العالمية.

معاناة مادية

تنص الأنظمة السعودية على منح طلاب الجامعة وطلاب الدراسات العليا، والمبتعثين مكافئات شهرية إضافة لمكافئات التفوق، وهذا ما لا يتوفر في أكثر الجامعات العربية، ورغم ذلك فحين تتأخر المكافأة أو تنقطع يتحول الطلاب إلى حالة من الغضب، فالكثير منهم ينتظر المكافأة لحاجة اجتماعية وصحية.

ويقول الطالب "مسفر المحمادي" بجامعة الملك فهد، إن المكافأة الجامعية بالرغم من قلتها إلا إنه يعول بها عائلته ويتحمل بها شراء مستلزماته الدراسية، وتكاليف المواصلات.. أما الطالب "عثمان الغامدي" وهو في عامه الجامعي الأخير، فيؤكد أنه متزوج منذ سنة، وأنه يعتمد في دخله بالأساس على المكافأة الجامعية، وهي في حدود الألف ريال، مبينًا أن تأخر المكافأة أسبوعا واحدا يعد كارثة كبيرة، فما بالك لو تأخرت شهرين وثلاثة وأربعة، فساعتها يجد نفسه مضطرًا للاستدانة من بعض زملائه ليخرج من تلك الورطة.

ويعجب الكثيرون من أن في السعودية - كبلد بترولي خليجي - فقراء يعانون الحاجة!! ولكن الحقيقة عرفها الناس عقب زيارة العاهل السعودي منذ سنوات لبيوت الفقراء في قاع مدينة الرياض، وتأسيسه صندوقا للفقر، ودعوته رجال الأعمال لأن يقوموا بواجبهم للقضاء على هذه المشكلة بالتضافر مع الجمعيات الخيرية التي تعنى برعاية الأسرة السعودية.

من هنا كانت مشكلة طلاب مع المكافأة، والتي تحدث عنها الكثيرون، في وسائل الإعلام ومنتديات الإنترنت.

البحوث العلمية

مادة البحث العلمي أو مشروع التخرج، تعد الخطوة التي ينهي بها الطالب حياته الجامعية لمرحلة البكالوريوس التي تعد من أهم متطلبات التوظيف في وقتنا الراهن إلا أننا نجد أن عددا كبيرا من طلاب الجامعات يتذمرون من هذه المادة المكلفة من الناحية المادية، يؤكد غالبيتهم أن تكلفة مشروع التخرج تصل إلى أكثر من عشرة آلاف ريال في بعض الكليات، خاصة الأقسام العلمية، في حين يشير قلة منهم إلى أن مشروع التخرج لا يكلف الكثير بل يحتاج للتفرغ التام.

وإن كانت آراء الجميع توافقت حول أن الجهد المبذول لا يتساوى مع عدد الساعات المعتمدة للمادة كونها تعد مادة من ضمن المواد وترصد نتيجتها في سجل الدرجات الأكاديمي كباقي المواد.

ويؤكد المعيد بقسم الحاسب الآلي بجامعة الملك عبد العزيز، "ظافر القرني" أن تكلفة مشروع التخرج باهظة، بالنظر إلى أن الأساتذة وإدارة الجامعة يعتبرونه مثله مثل المواد الأخرى، معترفًا بأن الكثير من الطلاب يدفعون بالبحوث المطلوبة إلى آخرين من خارج الجامعة ليقوموا عنهم - من الباطن - بإنجاز البحث نظير مبالغ مالية كبيرة، مع أن التكلفة الفعلية لا تتجاوز 500 ريال إذا قام الطالب بها بنفسه، وأكثر الذين يفعلون ذلك من الطلبة الميسوري الحال، أما الذين يأتون من خارج مدينة جدة فيقومون بذلك من خلال جهودهم رغم المعاناة.

ويعلق العديد من أساتذة جامعة الملك عبد العزيز بجدة وأعضاء هيئة التدريس على صعوبة مادة البحث العلمي أو مشروع التخرج، مؤكدين أن الجامعات السعودية تتطلع لأن تكون مخرجاتها التعليمية الأفضل نوعية، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، فهي تحرص على تزويد طلابها بالمهارات العلمية والتدريبية والتأهيلية الملائمة لسوق العمل لذا عملت على وضع خططها التعليمية وإعطاء كل مرحلة حقها من المواد ومتطلبات الدراسة، مشيرين إلى أن مادة البحث العلمي أو مشروع التخرج متطلب أساسي لإنهاء الطالب حياته الجامعية والانتقال للحياة المهنية.

وفي ذلك يؤكد رئيس قسم هندسة الطيران بكلية الهندسة بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور إبراهيم علوي: إن مادة مشروع التخرج هي النواة الأولى للطالب في الحياة العملية، حيث تتطلب منه مرحلة تدريبية ينتقل بها الطالب في بعض المعاهد حيث يباشر عمله ويبحث عن مشكلة يعمل على إيجاد الحلول لها، وهذا يتطلب منه العمل بنفسه وكتابة التقرير، والذي عادة ما يتم مناقشته أولا بأول مع أستاذ المادة حتى ينهي الطالب المرحلة الأخيرة من بحثه وتتم مناقشته من قبل لجنة مكونه من ثلاثة أساتذة من الكلية.

الدراسات العليا

أما فيما يتعلق بالدراسات العليا فالأمر يطول، ويشبه لحد كبير معاناة طلاب الجامعة ومشكلاتهم، ولكن في مرحلة الدراسات العليا يقع الطالب في اختيار الموضوع الذي سيدرسه، والتخصص إن لم يكن عمليا، ويلائم واقع سوق العمل السعودي يصبح كعدمه، فالتخصصات النظرية للأسف لا وزن لها لأنها فقط من الممكن أن تؤمن وظيفة في المجتمع، وإن كان من المحظوظين ففي الجامعة، وكثيرة هي الدراسات المكدسة في الجامعات السعودية لكنها لا تلائم سوق العمل.

وقد كشفت دراسة علمية موسعة أجراها الباحث الأكاديمي وأستاذ المكتبات والمعلومات بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور "سالم بن محمد السالم" عدم وجود علاقة بين برامج الدراسات العليا في الجامعات السعودية، والرسائل التي تمت مناقشتها على مدى 40 عاما وخطط التنمية في السعودية وخدمة المجتمع.

وأوضحت الدراسة أن موضوعات رسائل وبرامج الدراسات العليا التي أجازتها الجامعات السعودية للفترة العام من 1385هـ، وهو العام الذي شهد إجازة أول رسالة ماجستير في السعودية، وحتى العام 1422هـ لا تعالج موضوعات عملية واجتماعية معاصرة، ولا تمت للواقع بصلة ولا تساهم في تعزيز المشروعات التنموية التي تنشدها الدولة في الوقت الراهن.

وبينت الدراسة أن الجامعات السعودية استهلكت جهود مئات الباحثين وآلاف الرسائل من ماجستير ودكتوراه في مناقشة موضوعات نظرية وتاريخية لا علاقة لها بخطط التنمية، مستشهدة بأن 40% من الرسائل الجامعية هي تحقيقات لمخطوطات تراثية، وهو الأمر الذي يتنافى مع أهداف الدراسات العليا، ويتعارض مع ما نصت عليه خطط التنمية من ضرورة ربط خطط البحث العلمي والدراسات العليا بخدمة المجتمع ومشروعات التنمية، مما يتطلب تدخلا عاجلا لإصلاح الوضع.

غياب الإرشاد النفسي

وفي سياق آخر، يشدد رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمات الاجتماعية الدكتور "عبد الرزاق الزهراني" على أهمية الاهتمام والتركيز على التوجيه والإرشاد النفسي لطلاب الجامعات لكونهم في مرحلة انتقالية ومرحلة نضوج واكتمال وتشكيل.

وطالب بضرورة اقتصار عمل الإرشاد الطلابي على أساتذة الاجتماع وعلم النفس، لتخصصهم في بحث أصول مشكلات الطالب، والتي من الممكن أن تأتي من أصل أو أكثر من الأصول التالية: الأسرة، جماعة الرفاق، مجتمع التعليم، الحي السكني، قدرات الطالب ومشكلاته الذاتية، مبينا أن 80% من إجمالي مشكلات الطالب هي ذات مصادر اجتماعية، أما النفسية فتبلغ نسبتها 20% فقط.

كما يشدد عميد شئون الطلاب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة الدكتور "صالح كريم" على ضرورة التوجيه والإرشاد والمساعدة لطلاب الجامعة في المستويات المختلفة، موضحا أن الطالب الجامعي ينتقل إلى مجتمع مغاير لما كان قد ألفه وعايشه في مراحل ما قبل الجامعة في غالب الأحوال، ويهيأ لدور مهني جاد.

ولأن الجامعة تضم في قاعاتها الدراسية ومساكنها الطلابية وسائر مرافقها أصنافا مختلفة من الطلاب من جنسيات متعددة بعادات متباينة ولهجات متعددة وثقافات متنوعة الأمر الذي يجعل الحاجة إلى المساعدة في التغلب على ذلك ملحة، خاصة إذا أضيف لما سبق اغتراب بعض الطلبة عن الأهل، وهذا يعكس لنا مفهومين: أحدهما اعتباره فرصة لبعض الطلاب للانفلات من رقابة الأسرة، بينما يعتبره البعض الآخر غربة تؤثر فيه نفسيا وسلوكيا وتحصيليا، وفي كلا الحالتين يحتاج لما يتناسب مع حالته من التوجيه والإرشاد والعون.



--------------------------------------------------------------------------------