د. مقبل صالح أحمد الذكير

لوحظ في الآونة الأخيرة عدم إقبال بعض المواطنين المستحقين لقرض صندوق التنمية العقاري لتسلم قروضهم، بسبب الارتفاع الحاد في أسعار مواد البناء، خاصة بالنسبة لذوى الدخل المحدود، الذين أصبحوا غير قادرين على البدء في تشييد مبنى سكني، وفق دفعات هذا القرض، وتحت مظلة أسعار مواد البناء الجديدة!

أصبح بعضهم حائرا بين تسلم المبلغ، الذي ظل ينتظره لمدة تزيد على عشر سنوات، أو تأجيل تسلمه! بعضهم يود تسلم القرض الذي طال انتظاره لكنهم يخشون إن هم بدأوا في إجراءات تسلم قروضهم، أن يتورطوا فلا يستطيعون البدء في تنفيذ مشروعهم السكني. والبعض الآخر كان أكثر حسما وعزما، فاختاروا تأجيل تسلم قروضهم، نظرا لأنهم أصبحوا غير قادرين على مجاراة أسعار مواد البناء الجديدة.

شجعهم على ذلك حقهم في تأجيل تسلمه لمده سنتين من تاريخ استحقاقهم لتسلم القرض. وهم يأملون من خلال هذا التأجيل أن تحدث معجزة ما بطريقة ما في يوم ما تمكنهم من الاستفادة من مبلغ القرض، الذي ظلت قيمته القصوى ثابتة عند 300 ألف ريال منذ نحو أكثر من 30 عاما.

هذه مشكلة من يملكون الأراضي منذ عشر سنوات، فكيف الحال بمن يرغب في تملك أرض الآن، وقد قفزت أسعارها لمستويات خيالية؟ لذلك ليس عجيبا ولا غريبا أن ينتهي بنا الأمر إلى أن تكون نسبة من يملكون مساكنهم في بلادنا لا تتجاوز 30%! هذا ونحن نتكلم عن حاجة أساسية من حاجات المجتمع وليس حاجة ترفيهية!

سبق أن كتبت قبل أكثر من خمس سنوات أن فكرة صندوق التنمية العقاري قد استنفدت أغراضها، وفقدت صلاحيتها. ولا يمكن أن تظل فكرة قديمة صالحة لظروف الحاضر بعد مضي نحو 30 عاما عليها، بكل ما جرى خلال هذه السنوات من تغيرات في الأسعار ومدى توافر الأراضي وتغيرات في عدد السكان. فالغلاء كما هو مشاهد اليوم جعل تكاليف البناء فوق طاقة البعض.

أما الأراضي الصالحة للسكن والقريبة من الخدمات فقد زادت ندرتها، لأسباب أصبحت معروفة، مما جعلها أندر من الألماس أمام بقية خلق الله. أما عن السكان فاللهم احفظ وبارك، فقد نما عدد المواليد بمعدل يوحي وكأننا أصبحنا شعبا لا يعرف شيئا عن أنواع وطرائق تنظيم الحمل، حيث غدونا في نظر المخططين مزعجين ونشكل ضغطا متزايدا على الموارد ولا نقدر أنها نادرة.

ظل قطاع الإسكان في بلادنا قطاعا منسيا بعيدا عن التطوير الشامل ردحا من الزمن. وهو اليوم من أكثر قطاعاتنا الاقتصادية حاجة إلى التطوير الشامل من خلال مراجعات وإصلاحات جذرية لجميع جوانبه التنظيمية والتمويلية. إن حدة المشكلة وخطورتها تجعل الجميع يتطلعون لهيئة الإسكان العامة الوليدة للقيام بدور مهم وغير تقليدي لإصلاح الأحوال وإنعاش الآمال.

صندوق التنمية يجب أن يتحول إلى بنك لتمويل مشاريع الإسكان والتعمير في أنحاء البلاد، يشترك في تغذيته بالمال كل من الدولة والبنوك التجارية, على أن يدار بطريقة تجارية تغطي التكاليف ولا بأس أن تحقق أرباحا ولكن ليس بالنسبة القصوى التي تسمح بها قوانين السوق.

ومن الأفضل ألا يتم تقديم الأموال للأفراد مباشرة، وإنما تقدم لشركات تطوير عقاري لصالح أفراد معينين بضوابط محددة، حيث تمكن الناس من تملك المساكن بطرق تتوافق مع إمكاناتهم ورواتبهم، من خلال أقساط تعادل الإيجارات التي يدفعونها.

لا يمكن أن تنجح المجتمعات في كل أنحاء العالم في تطوير منظومة معقولة للإسكان، ونعجز نحن عنها. في كثير من دول العالم تصل نسبة تمويل المساكن من جملة التمويل إلي نحو 60%، فيما لدينا لم تزد النسبة على 2%. أكيد هناك خلل رئيس في حياتنا الإسكانية علينا البحث عنه، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه!! وللحديث بقية.

*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.
*أستاذ الاقتصاد ـ جامعة الملك عبد العزيز.