المهارة التربوية مطلب هام وكبير وجديرة بالاهتمام و الاحترام وكل عملٍ يراد له الكمال والتمام فالمهارة أسه وأساسه ورجال التربية والتعليم من المسلمين يعتبرون التعليم صناعة متفوقةً من لم يدرك أصولها ومقوماتها فلن يقوم بواجباتها. والتعليم بوجه عام يحتاج الى المعرفة الصحيحة والدربة الطويلة التي تؤهل صاحبها للاشتغال بهذه المهنة الشريفة التي هي رسالة أنبياء والأنبياء لهم صفات وسمات ومقومات معينة ميزهم الله بها عن سائر البشر«الله أعلم حيث يجعل رسالته» «أهم يقسمون رحمة ربك» «وما كنت ترجو أن يلقى اليك الكتاب إلا رحمة من ربك» والرسل عليهم الصلاة والسلام هم ذلك الرهط الكريم حتى انتهت تلك الرسالات الى محمد صلى الله عليه وسلم خير خلق الله وخاتم النبيين وإمام المربين والمعلمين. قال ابن عبدون في رسالته: والتعليم صناعة تحتاج الى معرفة ودربةٍ ولطفٍ فإنه كالرياضة للمهر الصعب الذي يحتاج إلى سياسةٍ ولطفٍ وتأنيسٍ حتى يرتاح ويقبل التعليم وهو كلام جيد وعميق وذو دلالة متينة يحسن بكل قائد تربوي يريد تثقيف نفسه تربوياً أن يطلع عليه ويدقق فيه ويعي ما فيه. والتعليم الجيد مهارة وملكة وهذه الملكة تعمر وتشاد بالمران والمجالسة الصالحة والقراءة الكثيرة المركزة تربوياً وبناء الملكة التربوية ليس أمراً سهلاً ولذا نجد البون الشاسع والفرق الكبير بين مدرس وآخر وقائد تربوي وزميله قال ابن خلدون في ذلك وأجاد «وذلك أن الحذق في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه انما هو بحصول الملكة في الاحاطة بمادته وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله ولهذا كان السند في التعليم في كل علمٍ أو صناعة على مشاهير المعلمين فيها معتبرا عند أهل كل أفقٍ أو جيل ويدل أيضاً أن تعلم العلم صناعة اختلاف الاصطلاحات فيه فلكل إمام من الأئمة المشاهير اصطلاح في التعليم يختص به شأن الصنائع كلها» ولأهمية المعلم أو القائد التربوي اهتم المسلمون به كثيراً وركزت التربية الإسلامية على المعلم إعداداً واختياراً اقتداء بصاحب الرسالة الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه.
«وكان خلقه القرآن» ولذا أوجب المربون المسلمون أن يؤخذ العلم عن شيخ معتبر وهو المدرس في المصطلح المعاصر وسمى علماؤنا الأفاضل من يأخذ العلم من غير المدرس الكفء بأسماء أخرى كذلك من يأخذ العلم من صفحات الكتب فقط وهذا واضح ومجرب ويدركه كل فطن لبيب. فلم يظهر غالباً في كل فن من فنون المعرفه إلا من أخذ العلم الذي يهمه من عالم مدرك، كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء إنما مثل المعلم كمثل رجل عمل سراجاً في طريق مظلم يستضيء به من مر به وكل يدعو الى الخير. إن إعداد القائد التربوي من الأهمية بمكان والمدرس يعتبر أحد أعمدة القيادة التربوية الهامة الذي يعتبر بحق وصدق المحرك الأول للعملية التربوية والتربية والتعليم ليس مهنة بسيطة ولا سهله كما يتصور البعض ولذا أتى النقص والعيب من مثل هذا التساهل حيث أدخل أحياناً على هذه المهنة الشريفة النظيفة من لا يعرف أسسها وأصولها ومقوماتها ولو علم الجميع أنها مهنة عالية مهنة الرسل والقادة والسادة في كل وقت وحين لما كانت بالصورة التي قد تشاهد احيانا انها علم تطبيقي. يقوم على التخصص الدقيق وله رجاله الكبار وله أسسه ومقوماته ووسائله العديدة ولذا نرى الغزالي وهو من المشتغلين بتوضيح هذا الفن يقول «فمن علم وعمل بما علم فهو الذي يدعى عظيماً في ملكوت السموات والأرض فإنه كالشمس تضيء لغيرها، ومن اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمراً عظيما وخطراً جسيماً والمعلم عند الغزالي متصرف في قلوب البشر ونفوسهم» وهو عنده يمارس أشرف المهن بعد الرسالة. ويقول أيضاً«إن أشرف مخلوق على ظهر الأرض هو الإنسان، وان أشرف شيء في الإنسان قلبه، والمعلم مشتغل بتكميله وتطهيره وسياقته إلى القرب من الله عز وجل ومما يؤكد ضرورة الاهتمام بالقادةالتربويين نظرة خلفاء الإسلام إلي مؤدبي أولادهم ودقة اختيارهم ولا يجعلون هذه المهنة العظيمة إلا للأكابر عقلاً وعلماً وفهماً ونصحاً للمتعلم. فليس المعلم في نظر خلفاء الإسلام رجلاً عادياً بل يختار من أناس عديدين يفوقهم في صفات عدة أهمها العلم والحلم والفطنة والنصح والشفقة بالمتعلم وإنزاله تربوياً منزلة ابنه ولذلك نجحوا وأفلحوا.
خذ مثلاً المفضل الضبي الذي كان مؤدباً للمهدي، والكسائي مؤدب الأمين، والفراء مؤدب ابن المأمون، وابن السكيت مؤدب أبناء المتوكل، والمبرد مؤدب ابن المعتز واذا كان الاختيار بهذه الدقة أعطى ثماراً جيده، واذا كان اختيار المعلم دون ذلك أتت النتائج حسب هذا الاختيار وهذا ملموس ويحس به كل من عايش وراقب سير التربية والتعليم في بلاد الله الواسعة والمعلم في كل وقت وحين يستمد مكانته وتقديره واحترامه من أثره في طلابه. ويخطئ كثيراً من يظن أن الحصول على العلم خاصة في مثل هذا العصر قد يحصل بدون الكتاب وبدون المعلم ونسمع ذلك كثيراً من غير التربويين في المجالس العامة حيث تطورت وسائل التلقي وحفظ العلم والمعارف، والحقيقة التي لا تقبل الجدل أن الكتاب سيبقى إلى ماشاء الله سيد وسائل المعرفة وخاصة للخواص أما العوام وأصحاب الثقافات العامة فلهم شأن آخر كذلك العلم لا يؤخذ إلا من أفواه الرجال، وهذه قاعة تربوية مثلى متجددة متجذرة، قال الشاطبي رحمه الله وأجاد قالوا: إن العلم كان في صدور الرجال ثم انتقل الى الكتب وصارت مفاتيحه بأيدي الرجال وهذا يقضي بأن لابد في تحصيله من الرجال وساق كلاماً جيداً في الموافقات يحسن الرجوع اليه لأهميته للقادة التربويين وفي مختلف المواقع التربوية والتعليمية وللجاحظ كلام في هذا جيد ومنوع ولكنه لا يرقى إلى درجة الشاطبي رحمه الله لاختلاف ما بين الرجلين مادة وتحصيلا وتدقيقاً وتوجيهاً وقد كتب في هذا الصدد الكثير من الفحول على اختلاف فيما بينهم كما سبق وكلها تصب في خانة إعداد واختيار القائد التربوي الذي نحن بصدده الآن وهو المعلم المعلم، القدوة الذي يربي طلابه على معالي الأمور وأشرافها ويجنبهم سفاسفها يطلب لهم دوماً الكمال والتمام يجدون دوماً فيه الأنس والانشراح ذو يد حانية وهمة عالية وقلب كبير رحيم ينشد دوماً عزهم ويطلب خلاصهم إن القيادة التربوية مهارة وفن وإدراك وتوجه صادق نحو الكمال والناس عندما يدفعون بأولادهم الى مدارسهم لا يريدون إلا تربية جادة ماجدة قاصدة وليست التربية الجادة تدرك بالخطب الجوفاء ولا با لتعاميم والنشرات المتلاحقة وجلها تنظير قد يكون أولا يكون وانما تدرك إذا أراد الله باعداد المدرس الإعداد الجيد ومتابعة تدريبه أثناء الخدمة ثم إكرامه وبا لطرق الممكنة

إن المعلم والطبيب كلاهما
لا ينصحان إذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه
واصبر لجهلك إن جفوت معلما

إن الاهتمام بتربية الطلاب علمياً وخلقياً ومسلكياً لهو من الأهمية بمكان ولن يتحقق ذلك إلا بإعداد القادة التربوين الاعداد المناسب والمدرس يأتي في مقدمة هؤلاء القادة إن المظهرية الجوفاء والاكتفاء بالعلاج من السطح لهي من اكثر الأمور إعاقة للتربية الجادة والتي نحن دوماً بحاجة اليها وهي تتطلب جداً وإخلاصاً وعزماً وحزماً ومضاءً وتقوى ويقظة واعيةً تصون عن الوهن في العزم والصفر في الهمة، إن القادة التربويين الذين يستحضرون عظم المسؤولية ويستشعرون ضخامة الواجب وكبر الأمانة يتسمون ببعد النظر وشدة الحذر وعلو الهمة وسعة الأفق وحسن الخلق فإذا وجد في المناخ التربوي هذه التوجهات كلها هزته من أعماقه وجعلته ينفعل بها انفعالاً صادقاً لا ادعاءً، انفعالاً متجدداً مطرداً لا يفتر ولا يلين والقائد التربوي الصحيح يراقب الله وهو يعمل ويراقبه وهو يفكر ويراقبه وهو يحس فلا يعمل شيئاً دون تمعن وتدبر وتفكر ولا يعمل مستهزئاً ولا مستهزاً ولا يعمل شيئاً لغير الله وحين توجد في المناخ التربوي هذه الحاسة وهذا التوجه الصادق لله تستقيم النفس وتستقيم الأمة وتستقيم الحياة التي عانت كثيراً من الترقيع والتخبط الذليل والهزيل.