عظة وعبرة

يعاملها بقسوة .. يصرخ في وجهها ..بل يسبها ويشتمها .. أعطاه الله قوة الجسم لكنه صرفها في الظلم والاستبداد بالرأي وإن كان على خطأ.. كانت أمه العجوز كثيراً ما تتوسل إليه أن يخفف من حدته وجفوته وطغيانه.. الكل من حوله نفر منه .. حتى من حدته وجفوته وطغيانه .. الكل من حوله نفر منه.. حتى زوجته تركته بلا عودة بسبب قسوته وشدته .
كان يجعل أمه العجوز تخدمه وتقوم على شؤونه وهي من تحتاج إلى الرعاية والخدمة.. ماأكثر ماسال دمعها على خديها تدعو الله أن يصلح لها فلذة كبدها ويهدي قلبه .. كيف لاهو وحيدها ..كانت تبرر عقوقه لها بسبب تحمله المسؤولية منذ الصغر وبسبب وفاة أبيه .. ولعل الله يهديه ، لكن الطغيان معه تجاوز حده وبلغ ذروته .. دخل عليها ذات يوم والشر يتطاير من عينيه ..صرخ في وجهها .. ألم تُعدي بعد الغداء ؟!
قامت العجوز بيدين ترتعشان وجسد واهن أثقلته السنون والأمراض والهموم..لتعد الغداء لقرة عينها..رأي الطعام لم يعجبه ..ألقاه عل الأرض .. أخذ يتبرم ويتسخط .. أعلم أنك لا تصلحين لشيء.. لقد بليت بعجوز شمطاء .. لا أدري متى أتخلص منها.. تبكي الأم .. ياولدي .. اتق الله ..ألا تخاف النار؟ ألا تخاف سخطا الله وغضبه ؟ ألا تعلم أن الله حرم العقوق ؟ ألا تخشى أن أدعو الله عليك؟
استشاط غيظاً من كلماتها.. زاد جنونه .. أمسكها بتلابيب ثيابها.. رفعها إليه .. أخذ يهزها بقوة .. أنا لاأريد نصائح لست أنا من يقال له اتق الله .. يلقي بها بعيداً؛ تسقط الأم على وجهها .. يتخلط بكاؤها بضحكاته الاستهتارية ...وهو يقول : ستدعو علي ! تظن أن الله يستجيب لها .. يخرج من عندها وهو يستهزئ بها ويسخر من كلامها .. لقد تحجر قلبه .
الأم تذرف الدموع الحارة .. تبكي ليالي وأياما كابدت فيها المشقة والعناء.. بكت شبابها الذي أفنته في تربية ابن عاق مكابر .
أما هو فقد ركب سيارته .. كان مبتهجاً سعيداً وهو يسمع تلك الأغنية ويرفع صوت المسجل عالياً.. لقد نسي مافعله بأمه المسكينة التي خلّفها حزينة .. وحيد يعتصر الأم قلبها ويحترق فؤادها كمداً وحزناً على تصرفاته الطائشة .. تتمنى لو لم تكن أنجبته لم تدع عليه بل اكتفت بقولها حسبي الله ونعم الوكيل.
كان لديه رحله إلى منطقة مجاوره .. وأثناء سيره في الطريق بسرعة جنونية .. إذا بجمل يظهر له في وسط الطريق.. يضطرب سيره ويفقد توازنه .. يحاول تدارك الموقف .. ولكن لا مفر من القدر.. دخلت قطعة حديد من السيارة في أحشائه .. لم يمت بل أمهله الله وأصبح ينتقل من عملية إلى أخرى.. أصبح بعدها طريح الفراش لم يستطع الحراك .. ولا حتى الكلام .. بقي هكذا ليكون عظة وعبرة لكل من يعتبر .



منقول من كتاب:
عاقبة عقوق الوالدين
للشيخ: إبراهيم بن عبد الله الحازمي.