أبا مِتعب .. ذلكَ المبتدأ ، فأينَ الخبَر ؟!
عبد الرحمن بن محمد السيد - 24/9/2009


يا أبا مِتعب .. ذلكَ المبتدأ ، فأينَ الخبَر ؟!

( أعاهدُ الله ثم أعاهِدكم أن أتّخذ َالقرآن َدستوراً والإسلامَ منهجاً ، وأن يكونَ شُغليَ الشاغل إحقاق الحق ) ..
هذهِ جملةٌ اِبتدائية نطقَ بها لِسانُ خادمِ الحرمينِ الشريفين الملكِ عبد الله بن عبدِ العزيز – نصرَ اللهُ بهِ الشريعة - عندما بويعَ ملِكاً لهذهِ البلاد ..
ثمّ أردفَ أبا متعبٍ يقول : ( أتوجّهُ إليكم طالباً منكم أن تشدُّوا أزري ، وأن تُعينوني على حمل الأمانة ، وألاّ تبخلوا عليّ بالنصحِ والدعاء ) ..
وقدِ اِستبشَرَ بهذهِ الكلمات المؤمنونَ والصالحون .. وشرِقَ بِوجَعِها الخوارجُ والمنافقون ..
ولِأنني ممّن سمِعَ هذهِ الكلمات .. أرى ضرورةَ إجابةَ طلبِ خادمَ الحرمينِ الشريفين ، وتلبيةِ حاجتِه .. لِما لهُ في عنُقي من واجبِ البيعةِ وحقِّ الطاعة .. ولا يرُدّ الكريمَ إلاّ لئيم !
فأقولُ مستعيناً .. بسمِ اللهِ ربِّ العُظماءِ والمُلوك !
يا خادمَ الحرمين : مِنَ المعروفِ عندَ علماءِ اللغة أنّ المبتدأ والخبرَ اِسمان ِ مرفوعان ِ يؤلّفان جملةً مفيدة .. والأصلُ أن يتقدم المبتدأ ويتلوهُ الخبَر ..
والمبتدأُ في حديثنا هُنا : ما عاهدتم بهِ ربّكم منَ اِتخاذِ القرآنِ دستوراً والإسلامَ منهجاً .. والخبرُ الذي ينبغي أن يتلُوَ المبتدأ هنا : هوَ الوفاءُ بهذا العهدِ الذي أشهدّتم عليهِ ربّكم ، وأشهدتّم عليهِ أكثرَ من عشرينَ مليوناً من أبناءِ هذهِ البلاد !
وقد طالعتنا الأخبارُ قبلَ أيّام نبأَ اِفتتاحِ جامعةِ الملكِ عبد الله للعلوم والتقنية ، وهيَ خطوةٌ عظيمةٌ بحدِّ ذاتها ، لِما تحملهُ من نهضةٍ تنموية ، وتقدمٍ حضاريّ ، يعودُ أثرهُ وخيرُه على أبناء هذهِ الأمةِ التي لطالما تطفّلت على موائدِ الأعداء !
إلاّ أنهُ مما عكّرَ صفوَ فرحتِنا ب*****ِ هذهِ الجامعة : ما نُشِرَ بأنها ستكونُ أولَ جامعةٍ تجمعُ بينَ تدريسِ الذكورِ والإناث في وقتٍ واحد ، ومكانٍ واحد .. وقد جاءَ ذلكَ على لِسانِ نائب الجامعة للشئون الخارجية ، حينما أوضحَ " أن أجواء حرية الحركة واختلاط الجنسين داخل الجامعة .. تشبه جيوباً من ضواحي المدن الأمريكية "
وقد نُشِرت لِذلكَ صورٌ يظهرُ فيها التفسّخُ والاِنحلال لبعضِ الأكاديميات والطالباتِ اللائي ينتمينَ لهذهِ الجامعة ..
وليسَ يخفاكم - يا خادمَ الحرمين - بأنّ ذلكَ مخالفٌ لأحكامِ القرآنِ ، ومعارضٌ لِمنهجِ الإسلام ، الذيْنِ عاهدّتم ربّكم وشعبَكم على الاِلتزامِ بهما !
قال تعالى : { وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ، وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون } ، لما حصل اختلاط بين اِمرأة عزيز مصر وبين يوسف عليه السلام ظهر منها ما كان كامناً فطلبت منه أن يوافقها ، ولكن أدركه الله برحمته فعصمه منها ، وذلك في قوله تعالى : { فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم } ، وكذلك إذا حصل اختلاط بالنساء اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر ، وبذلك بعد ذلك الوسائل للحصول عليه .
وقد أمر الله الرجال بغضِّ البصر ، وأمرَ النساء بذلك فقال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } . ووجهُ الدلالة من الآيتين : أنه أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ، وأمره يقتضي الوجوب ، ثم بين تعالى أن هذا أزكى وأطهر .. ولم يعفِ الشارع إلا عن نظر الفجأة ، فقد روى الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " يا علي ، لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة " قال الحاكم بعد إخراجه : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه ، وبمعناه عدة أحاديث . وما أمر الله بغض البصر إلا لأن النظر إلى من يحرم النظر إليهن زنا ، فروى أبو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العينان زناهما النظر ، والأذنان زناهما الاستماع ، واللسان زناه الكلام ، واليد زناها البطش ، والرجل زناها الخطأ " متفق عليه ، واللفظ لمسلم . وإنما كان زناً لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة ومؤد إلى دخولها في قلب ناظرها ، فتعلق في قلبه ، فيسعى إلى إيقاع الفاحشة بها . فإذا نهى الشارع عن النظر إليهن لما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط ، فكذلك الاختلاط ينهى عنه لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه .

والأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة ، ويجب عليها التستر في جميع بدنها ، لأن كشف ذلك أو شيء منه يؤدي إلى النظر إليها ، والنظر إليها يؤدي إلى تعلق القلب بها ، ثم تبذل الأسباب للحصول عليها ، وذلك الاختلاط .
وقال تعالى : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } .. فقد منعَ اللهُ تعالى النساء من الضرب بالأرجل وإن كان جائزاً في نفسه لئلا يكون سبباً إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم غليهن، وكذلك الاختلاط يُمنع لما يؤدي إليه من الفساد .
وقد روى الإمام أحمد في المسند بسنده عن أم حميد إمرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله : إني أحب الصلاة معك ، قال : قد علمت أنك تحبين الصلاة معي ، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي . قالت : فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه ، فكانت والله تصلي فيه حتى ماتت . وروى ابن خزيمة في صحيحه ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان من بيتها ظلمة . ويعطي هذين الحديثين عدة أحادث تدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ..
ووجه الدلالة : أنه إذا شرع في حقها أن تصلي في بيتها وأنه أفضل حتى من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ، فَمَنعُ الاختلاط من باب أولى .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الدنيا خلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظرة كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل في النساء " رواه مسلم .. وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتقاء النساء ، وهو يقتضي الوجوب ، فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط ؟ هذا لا يجوز .
كما لا يخفاكم - يا خادمَ الحرمين - أنّ ذلكَ يهدِمُ ما بناهُ جلالةُ الملكِ المؤسّس عبد العزيز بن عبد الرحمن – رحمهُ الله – حينما أعلنَ أنّ منهجَ هذهِ الدولةِ يقومُ على اِحترامِ شرعِ اللهِ تعالى وتحكيمهِ واِتخاذهِ دستوراً تسيرُ عليه .. وقد قالَ في كلامٍ له :
" أقبح ما هناك في الأخلاق، ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذن وظائفهن الأساسية، من تدبير المنزل، وتربية الأطفال، وتوجيه الناشئة، الذين هم فلذات أكبادهن، وأمل المستقبل، إلى ما فيه حب الدين والوطن، ومكارم الأخلاق، ونسين واجباتهن الخُلُقية من حب العائلة التي عليها قوام الأمم، وإبدال ذلك بالتبرج والخلاعة .. ودخولهن في بؤرات الفساد والرذائل ، وادعاء أن ذلك من عمل التقدم والتمدن ، فلا - والله - ليس هذا " التمدن " في شرعنا وعرفنا وعادتنا، ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان وإسلام ومروءة، أن يرى زوجته أو أحد من عائلته، أو من المنتسبين إليه في هذا الموقف المخزي.. هذه طريق شائكة، تدفع بالأمة إلى هوة الدمار، ولا يقبل السير عليها إلا رجل خارج عن دينه، خارج من عقله، خارج من بيته " انتهى كلامهُ عليهِ رحمةُ الله .
يا خادمَ الحرمين : إنّ لهذا الاِختلاطِ الذي سيحصُل – لا قدّرَ اللهُ ذلك – آثاراً سلبيةُ تعودُ على مجتمعاتنا بالسوءِ والبلاء .. عافانا الله ! ومنها :

1 – ذهاب الحياء الذي يجعل الفتاة لا تنطلق في الحياة !!
2 – تصبح الفتاة أكثر خشونة وأشـد عضلات !!
3 – تستطيع الفتاة أن تذهب مع من شاءت !!
4 – كثرة الزنا والفاحشة وبالتالي كثرة أولاد الزنـا .
5 – كثرة الجرائم ، وقلة التزاوج في مجتمعات الاختلاط ، مما يؤدي إلى فناء الأجيال وخراب البلاد .
6 – ذهاب الأخلاق التي تسمى ( أخلاق فاضلة ) كالحياء والحشمة والعفاف .
ولقد كشفت دراسة علمية جامعية أن 68% من النساء العاملات في الحكومة والقطاع العام بالعاصمة المصرية يتعرضن للتحرش الجنسي من قبل رؤسائهن وزملائهن سواء بالقول أو بالفعل .
يا خادمَ الحرمينِ الشريفين : يقولُ نبيّنا عليهِ الصلاةُ والسلام : ( إنّ من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر ، وإنّ من الناسِ مفاتيحَ للشرِّ مغاليقَ للخير ، فطوبى لمن جعل الله ُمفاتيح الخير على يديه ، وويلٌ لمن جعلَ الله مفاتيح الشر على يديه ) .. وإنّي أعيذُكَ باللهِ يا خادمَ الحرمينِ أن تكونَ مِفتاحاً لهذا الشرّ .
يا خادمَ الحرمين : لقد ذ ُكِرَ في السيَر أنهُ عندما فُتِحت قبرص وحُمِلت غنائم الحرب إلى المدينة رأى الناسُ الصحابيِّ الجليل أبا الدرداء يبكي .. واقتربوا دهشين يسألونه , وتولى توجيه السؤال إليه : " جبير بن نفير " .. قال له : " يا أبا الدرداء , ما يُبكيك في يومٍ أعزّ الله فيه الإسلام وأهله " ؟ فأجاب أبو الدرداء في حِكمةٍ بالغة ، وفهمٍ عميق :

( ويحك يا جبير .. ما أهونَ الخلق على الله إذا هم تركوا أمره .. بينما هي أمةٌ , ظاهرةٌ , قاهرة , لها الملك , تركت أمر الله , فصارت إلى ما ترى ) ..!
وإنّي أعوذُ بالله – يا خادمَ الحرمين – أن يُتركَ أمرُ الله على يديْك .. أو يُهتَكَ عرضُ اِمرأةٍ وأنت حيّ ! أو تُهدَمَ أخلاقُ أبناءِ المسلمينَ بِمُباركةٍ منك ..
أسألُ الله أن يُوفّق خادم الحرمينِ الشريفين لنصرةِ دينه ، وتأييدِ شريعته ، وأن يَقيَهُ شرّ نفسِه ، وشرّ الشيطانِ وشِركِه ، وأن يجعلهُ مباركاً أينما كان .. حرباً على أعداءِ الملّة ، سِلماً لأهلِ السنّة ..
وأسأل الله عز وجل أن يوفق ولاة الأمر في هذه البلاد وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله لكل ما فيه رِضاه والسلامة من سخطه ، وأن ينصر بهم دينه ويعلي كلمته ، وأن يصلح لهم البطانة ويصرف عنهم بطانة السوء ، وأن يحمي هذه البلاد من كل فساد وإفساد، وأن يحفظ عليها أمنها وإيمانها، وسلامتها وإسلامها، وأن يوفق المسلمين في كل مكان إلى ما يحمدون عاقبته في أمور دينهم ودنياهم، إنه سميع مجيب ،،
بارك الله في كل من يوصل هذهِ الكلِمات للملك ، أو لسمو النائبِ الثاني ، أو لأي مسؤول يستطيعُ إزالةَ هذا المُنكَر ..
أيْ ورثةَ الأنبياء .. علماءنا الأبرار :
هذي مآقي الأمةِ ترنوا لكم .. وتكادُ من دمعِ المواجعِ تغرقُ .. !
دفاعاً عن عفافِ المسلِمات .. كدِفاعِكم عن أقدسِ المقدّسات ..
بقوّتكم يقوى النّاس .. وبدونكم يهلكُ الناس .. ويتبلّدُ الإحساس .. ويظفرَ الخنّاسُ والنِسناس بظبيةِ الإناث !
من غيرَكم للجيلِ ؟ يهديهِ للسبيلِ ..
يقولُ اِبنُ الوزير : " من تركَ الذبّ عنِ الحقّ ، خوفاً من الخلق ، أضاعَ كثيراً ، وخافَ حقيراً " ..
وإنّ العالِم ليعلو ويهبِط بمِقدارِ نصرتِهِ لدينِ اللهِ تعالى ، وإنّ اللهَ نادى عبادهُ وهوَ عنهم غنيّ : { يا أيها الذينَ آمنوا كونوا أنصارَ الله } ، فمن لبّى النداءَ كانَ على سبيلِ محمدٍ وصحبه ، ومن تخلّف فـ { أولئكَ الذينَ كرِهَ اللهُ اِنبعاثهم فثبّطهم وقيلَ اقعدوا مع القاعدين } ..
عبد الرحمن بن محمد السيد