بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



يامعشر الشباب هل من مشمر .
التشميرة الثالثة عشرة

قال محدثي.. ما زرت مديري في الإدارة في منزله إلا رأيت العجب.. رأيت كيف يتحول ذلك الآمر الناهي في إدارته إلى خادم لذلك الرجل العجوز.. إنه تحول عجيب أليس كذلك؟! ما زاد في عيني إلا رفعة ولا في نفسي إلا علوًا.
كأنه خادم بين يدي والده..
قلت له.. هذا الرجل قربه خير، ومعرفته مكسب.. كل يوم نرى من حسن خلقه وبره بوالده ما نعجب منه نحن الشباب!!
قال من يستمع الحديث وهو يهون الأمر.. لماذا تستغرب؟! إنه والده!!
أطلقت بصري نحوه ولساني يردد.. هل تعامل والدك بجزء من هذه المعاملة أو بعضها؟!
تحدث وزير من دولة عربية عن أمور بسيطة في حياته فقال: إنني قبل أن أخرج من باب المنزل أخبر والدي أين أذهب ومتى أعود، هذا مع أن عمري جاوز الخمسين ومرتبتي الوظيفية وزير!! ولكن هذا أمر اعتدت عليه منذ أن كنت طفلًا وشابًا وأبًا.. وحتى أصبحت وزيرًا.. وأفرح بهذا الأمر وأسر به لعلمي حرص والدي عليَّ..
وهأنذا أكرر السؤال على أبنائي كل يوم..
أين تذهب؟! ومع من تذهب؟! ومتى تعود؟!

يتلطف مع والده ويروي له بعض الأحداث والمستجدات على هذا الكون.. ويحكي له بعضًا مما حصل له من الطرف.. أو مما سمعها.. يحكي كل ذلك بأدب جم وخلق رفيع.. جعل والده يبادله الحديث بضحكة وابتسامة.. ودعاء!!

يستشير والده في أشيائه الصغيرة وفي أمور ربما أن والده لا يحيط بها ولا يتصورها ولكن رغبة منه -حفظه الله- في إشعار والده بأهميته ومكانته.. يكرر على والده كل يوم.. ما رأيك بكذا وكذا.. وأيهما أفضل؟! وما البديل فرأيك هو المقدم!!
ترددت أصوات الجميع في الحفل ينادونه لقبول دعوتهم إلى حفل الغداء.. ولكن الرجل -المسؤول الكبير- أجاب بهدوء وهو يلتفت نحو والده..
هذا هو الوالد -حفظه الله- إن وافق وسمحت ظروفه فنحن تحت مشورته وأمره!!
يبحث عن ما يحب والده وما يحتاج إليه.

إجازته يقضي جزءًا منها للذهاب به لأداء مناسك العمرة.. ويعرج به إلى المصايف الجميلة.. يأنس به ويحاول أن يلبي طلباته ولو على حساب نفسه.
لسانه عذب .. وحديثه يدخل السعادة على قلب والده.. أبشر يا أبي.. وأبشرك يا أبي..
حديثه يؤانس الوالد، ويدخل السرور على نفسه.. ألا بشرك الله بالجنة يا فتى!!
يفرح إذا رأى غيمة في السماء.. ويهرول مسرعًا إذا علم بنزول المطر على مناطق قريبة.
يعلم أن ذلك يفرح والده ويجدد شبابه..
ويومًا أخبره بنزول المطر وقال لوالده: سالت الأودية والشعاب.. ففغر الأب فاه فرحًا، وكانت نفسه تحدث رؤية ذلك الخير.. ولكنه قبل أن يكمل تفكيره فإذا بالابن يقول له..
متى نذهب يا أبي؟!

اختار لوالده أشرطة متعددة لعدد من المشايخ .. حتى رأى أنه يتأثر ويتابع قراءة أحدهم.. هب مسرعًا واشترى ما وجد لديهم من أشرطة لذلك الشيخ.. وقال: يا أبي هذا ما وجدت فاعذرني!!
يقدم مقدمة طيبة عن المحاضر وموعد المحاضرة وأنه مناسب ويتحدث عن موضوع المحاضرة وفضل الجلوس في حلق الذكر.. حتى يرى القبول في عين والده..
ثم يسأله: ما رأيك يا أبي نذهب سويًا!
في الحرم المكي .. يرفق بوالده، ويحنو عليه، ويتفقد حاجته.. ماذا يريد؟ وأين يجلس؟ وماذا ينقصه؟!
إنه رجل تحت الطلب، يهفو إلى خدمة والده.. ويفرح بنداء صوته.
ما دخل المنزل أو خرج إلا قبَّل رأس والديه، ودعا لهما بالبقاء وطول العمر وحسن الختام.. إظهارًا للفرح بوجودهما وسرورًا بحديثهما.
ولسان عذب لا يتأخر عن قول الخير لهما.
لا تمر مناسبة إلا ويقدم لوالديه هدية.. دهن عود أو دهن ورد أو مسواك وبين حين وآخر يأتي لوالده بمبلغ من المال على شكل ريالات لكي يوزعها على الأحفاد والأسباط!!
خصص وقت ما بين المغرب والعشاء لجلسة طويلة مع والديه يتجاذب معهما أطراف الحديث ويؤانسهما ويستفيد من خبرتهما ويفرح بسماع دعوتهما.
إكرامًا لوالده لا يترك مناسبة يدعى إليها والده إلا كان بجواره حتى وإن كانت في أوقات راحته.. يقدم رضا والده على راحته ونفسه، ويعلم أن والده يسر بهذا.

أسقط كلمة «لا» من لسانه، وكأنه انتزعها من بين فكيه.. حمد الله وهو يتذكر أنه ما قال لوالديه هذه الكلمة أبدًا.. فهما لم يأمراه بمعصية..
لا يلح على والديه بطلب أو رغبة.. بل يعرض الأمر عرضًا هينًا لينًا.. فإن وجد الموافقة والقبول.. وإلا «الخير فيما اختاره الله» ويحمد الله أنه نال رضا والديه..
حفظك الله.. سلمك الله.. رعاك الله.. حرم الله وجهك عن النار.. بارك الله في أيامك.. تقبل الله دعاءك.. أبشر بالخير.. رحمة الله واسعة..
هذا لسانه مع والده.. ما أسمعه إلا ما يحب!!
يتعاهد أصدقاء والده.. يزورهم، ويحتفي بهم، ويدعوهم لبعض المناسبات، ويفرح وهو يسمع الدعاء لوالده بالرحمة والمغفرة.
لأن والده يحب القرية ولا يريد أن يبتعد عن مزرعته.. ضحى الابن البار بوظيفته في المدينة واستقر في القرية بوظيفة أقل.
هل من مشمر؟!
لو خدمك إنسان وأكرمك يومًا أو اثنين.. لبالغت في الثناء على كرمه وخدمته، وتمنيت أن تسنح الفرصة لرد جميله ومعروفه.. أليس كذلك؟!
هناك.. من خدمك سنوات، وضحى لأجلك سنوات، يطعمك في صغرك، ويذهب بك سنوات للمدرسة.. وسنوات وهو يربي ويجهد نفسه لأجلك.. ما مرضت يومًا إلا حملك على ظهره إلى المستشفى.. وما بكيت يومًا إلا تألم قلبه.. ولربما دمعت عيناه..
يدعو لك في سكون الليل.. ويكد لك في النهار.. سنوات طوال.. وهو سعيد بذلك.. ما جزاؤه؟!
هل من مشمر؟!