السذاب .....


الدكتور/ أحمد سعيد قشاش

قال أبو حنيفة: ( السَّذاب: الفيْجن، فارسي قد جرى في كلام العرب.

وفي الخبر أن الحجَّاج قال لطبَّاخه: اعمل لنا صعْصفة وأكثر فيْجَنها.

والصعْصفة: لغة ثقيفية فيما ذكر) .

وقال ابن دريد: ( فأما هذه البقلة المعروفة بالسَّذاب فمعربة، ولا أعلم للسَّذاب اسما بالعربية، إلا أن أهل اليمن يسمونه الخُتْف).

وقال في موضع آخر: ( والفيْجن الذي يسمى السَّذاب لغة شامية.

قال أبو بكر: لا أعرف للسَّذاب اسماً في لغة أهل نجد إلا أن أهل اليمن يسمونه الحُفْت).

وقال الصَّغاني: ( السَّذاب هذا البقل المعروف فارسي مُعرَّب، وعربيه الصحيح: الفيْجل والفيْجن).

السذاب: شجيرة معمرة، دائمة الخضرة، من أشهر النباتات العطرية في شعاف جبال السراة، تنبت قرب المنازل، وعلى جوانب الطرق، وحول جذوع الأشجار، ولاسيما الحماط والطلح والعرعر، وذلك على ارتفاع 1700- 2600م.

تقوم السذابة على ساق اسطواني نحيل، كثير التفرع، بارتفاع 40-70سم، أوراقها خضراء مغبرة، تميل إلى الزرقة قليلاً إذا تقادم عليها العهد، وهي مركبة، طويلة الأعناق، مكونة من وريقات ثلاثية التقطيع أو أكثر، متطاولة بيضاوية الشكل، تزهر في الربيع وتظهر أزهارها على هيئة عناقيد فوق رؤوس الأغصان، متوجة بأربع بتلات صفراء اللون، وربما صفراء مخضرة، مقعرة الشكل، مسننة أو مهدبة الأطراف، وثمارها صلبة، مسامية السطح، مقسمة إلى أربعة فصوص، مستدقة الأطراف، تنفلق عند نضجها إلى أربعة مصابيح تتناثر من بينها البذور.

لأوراق السذاب رائحة عطرية قوية جداً، يستحسنها بعض الناس، وينفر منها آخرون.

وتستعمل في كثير من جبال السراة: بعد هرسها (ضماداً لعلاج لدغات الأفاعي والعقارب، وكذلك لعلاج الصداع والتهابات المفاصل)، ويستعمل ماؤها أو بخورها (لعلاج الآذان والعيون الملتهبة)، وتجفف وتوضع في خرقة، ويستنشقها المصاب بالصداع، فتعجل بشفائه بإذن الله، وتستنشق كذلك لعلاج (الصرع) ونحوه من الأمراض العقلية، ويبخرون بها المنازل.

وذكروا أن ابن عرس: يأكل السذاب إذا قاتل الحية، فلا يضره سمها.

وفي اليمن: ذكرت امرأة تبيع السذاب على قارعة الطريق أنهم يستعملونه في الأعراس.

ومن أهل السراة: من يجمع السذاب ويبعه مع النباتات العطرية كالبعيثران والريحان، وهو يسود بشرة جامعيه، وربما أورث لهم آلاماً في العضلات والمفاصل تزول بعد ساعات قليلة، وقد يزرعونه في الحقول وأفنية البيوت.

وفي تهامة بني عمر يقولون: ( خوط شذاب خير من مئة كتاب) مبالغة لمنافعه الطبية الكثيرة.

وفي ديار بني ناشر من سراة بني عمر: كانوا يطبخون أوراقه من الدُجر( اللوبيا) فتضفي عليه نكهة طيبة.

وذكر رجل من أهل جبل صبر باليمن: أنهم يطبخونها كذلك من اللبن، فيكون منه وجبة ذات نكهة لذيذة، وآخرون لا يطبخونها إلا مع لبأ البقرة بعد ولادتها، ويسمون ذلك اللبأ( الفَصْعة).

وله استعمالات كثيرة في طب الأعشاب: القديم والمعاصر من أهمها: (استعماله في علاج بعض أنواع الشلل، وتخليص الجهاز الهضمي من الديدان، وإدرار الطمث، والحث على الإجهاض، ويستعمل مانعاً قوياً للحمل)، إذ يؤخذ مقدار ملعقة صغيرة من مسحوق الأوراق المجففة، تضاف إلى كوب من الماء سبق غليه، ويترك نحو خمس عشر دقيقة، ثم يصفى ويشرب بمعدل مرتين في اليوم الواحد، والجرعات الكبيرة منه تسبب أعراض تسمم شديدة الخطر، وما زال السذاب معروفاً بهذا الاسم في كثير من جبال اليمن.

في معظم جبال السراة، وفي سراة بني عمر إلى حوالة: سمع من ينطقه (الشذاب) باشين أيضاً.

وبالشهم جنوباً منطقة جازان: ينطقونه ( الشُّزَّاب) بضم الشين وقلب الذال زاياً.

وسمع أهل الجبال شرق هذه المنطقة: يسمونه ( الخَزَام).

والخُتْف كما رواه ابن دريد: هو الاسم القديم للسذاب بلغة أهل اليمن، والخُفت لغة فيه.

وفي الجبل الأخضر شمال عمان: ما زالت هذه اللغة مستعملة، وينطقونها ( الخطْف) أو( الخِضْف) بكسر الخاء، وتفخيم التاء وقلبها طاء، أو ضادا، وربما نطقوه (الخذْف) بالذال، وبعضهم ينطقه ( الذَّاب) بحذف السين من السذاب، ويستعملونه (لعلاج المغص ونحوه من أمراض المعدة).

ومن أنواع هذه الفصيلة: شُجيرة بأعداد كبيرة في بواط والكويرة من جبال جهينة، ورأيتها بأعداد أكبر في سفوح جبل رضوى، على ارتفاع 1100- 1300م، وسمعت أهل هذا الجبل يسمونها العُفينة، سموها برائحتها الكريهة التي تفوح عند أدنى ملامسة لها، وهي تقوم على سيقان نحيلة متعددة، تخرج من أصل واحد، وترتفع نحو 30-50سم، أوراقها خضراء مغبرة، متطاولة عريضة الوسط، مستدقة الطرفين، تامة أو متموجة الأطراف، وتظهر بأشكال أخرى، يظهر على الورقة من خلفها غدد بارزة صغيرة، ولا يرعاها شيء من الحيوان، أزهارها صفراء مخضرة كأزهار السذاب، لكنها أصغر حجماً، تخرج مثله في مجموعات على رؤوس الأغصان، وثمارها كروية الشكل، مقعرة السطح، يعلوها بثور بارزة كثيفة، تنفلق عند نضجها إلى خمسة مصابيح، تتناثر من بينها البذور، وهي التي تسمى في جبال ظفار وسهول صلالة جنوب عمان ( شجرة العوض) لأنهم يعتقدون بقوة أنها طاردة للبعوض، وغيره من الحشرات الضارة، ولم يذكر القدماء أنها العُفينة.

وربما كانت ( أم كَلْب) هي التي وصفها أبو حنيفة بقوله: ( أم كلب: شُجيرة جبلية وجلدية، لها نور أصفر، وورق في خلقة ورق الخلاف، يستحسنها الناظر إليها، فإذا حركها فاحت بأنتن رائحة وأخبثها، أخبرني أعرابي قال: ربما تخللتها الغنم فحاكتها فأنتنت حتى يجنبها الحلاب فتباعد عن البيوت، وليست بمرعي).

وسمعت أهل ورقان: يطلقون العُفينة على شُجيرة أخرى من الفصيلة الحمحمية، لها أيضاً رائحة كريهة.

وإلى هذه الفصيلة أيضاً تنتمي أنواع الحمضيات: كاليمون والبرتقال والأترج.

وينتمي إليها أيضاً (الضِّرْم): وهو نوع بري واسع الانتشار في السفوح الغربية من جبال السراة، لم تذكره المعاجم، ولعله المراد بقول صاحب كتاب الروحة في الضاد والظاء: ( الضَرْم مكسورٌ على وزن قدْر: ضربٌ من الشجر تمرض الإبل من أكله، وضَرِمَتِ الإبل).

وذكر ابن سيدة: ولم يحله وهو يشبه في نظامه الزهري والثمري أنواع ( الفصيلة البُطْمية) التي تنتمي إليها الضرو والتألب.

يسمى في سراة عسير: ( الضِّرْم) بكسر الضاد، وإسكان الراء، وكذلك يسمى في جبلي شدا وجبال فيفا والريث والعزين، ولكن هؤلاء من غير أهل شدا وعسير، يخرجون الضاد بصوت نحو الثاء أو الفاء.

وأهل العبادل: يسمونه( الضِّرْْيَم) بزيادة الياء، وينطقون الضاد بصوت لا تميز أهو صوت الشين أو الفاء.

وأهل العدين من محافظة إب: ينطقونه ( الضِّرْئم) بالهمز.

وفي نواح أخرى من جبال اليمن: ( الضِّرِم) بفتح الأول وكسر الثاني، وحذف الهمز.

وفي تهامة خثعم وأهل العطوة من غامد الزناد: يسمونه ( الهُطَيْلاء) لعلهم أخذوه من تهدل أوراقه، وهو طولها وميلها نحو الأرض، وتكون الطاء قد قلبت من الدال.

منابت هذه الشجرة: الأصدار على ارتفاع 1500م وهي ترتفع نحو 2- 5م، ولها أوراق ثخينة ثلاثية كأوراق التألب غير أنها أكبر، ورائحتها تشبه إلى حد ما رائحة أوراق الليمون، أزهارها صفراء تخرج على هنيئة عناقيد في نهايات الأغصان، لها رائحة عطرية خفيفة، والنحل يثمرها، ويعقبها ثمار بيضاوية تبدو صفراء مخضرة ثم صفراء محمرة إلى حمرة خالصة، في حجم الزيتونة الصغيرة، يتغذى عليها أجناس من الطيور.

وفي جبال فيفا: يضمدون بأوراقها بعد تسخينها، الكمدات والرضوض التي تقع في المفاصل والعضلات.