وهو الإسلام الذي تضمنه تلك الكلمة العظيمة التي تعدل الكون كله ، بل ترجح به (لا إله إلا الله ) .وظلت الأمة الإسلامية قروناً تقود الجماعة البشرية وتسيطر على العالم المتحضر إلا قليلاً وتتبوأ مركز الأمة الوسط بين العالمين ؛ كل ذلك بفضل إدراكها لتلك الكلمة العظيمة والعمل بمقتضاها وحقيقة مدلولها في واقع الحياة . ثم أخذ شأن الأمة الإسلامية في الانحطاط وحضارتها في الذبول ؛ وفقدت شيئاً فشيئاً ،مركزها المرموق ومنزلتها السامية ، ولم يكن لذلك من سبب إلا أن نور (لا إله إلا الله ) قد خفت ،ومقتضياتها قد أهملت ، ومدلولاتها قد انحسرت .

ولما كانت كلمة (لا إله إلا الله ) هي روح هذه الأمة وسر وجودها ومنبع حياتها ،فإنها ظلت تفقد من ذاتيتها وأصالتها بمقدار ما تفقد من نور هذه الكلمة العظيمة حتى آل الأمر في العصور الأخيرة إلى الفقدان الكامل أو شبه الكامل .
وعندما تصاب أمة من الأمم بهذا المرض المدمر :"فقدان الذات" فإن أبرز أعراضه يتمثل في الانبهار القاتل بالأمم الأخرى والاستمداد غير الواعي من مناهجها ونظمها وقيمها .

وقد وقع ذلك في حياة الأمة الإسلامية تأويلاً لقوله صلى الله عليه وسلم (لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو أن أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم

ولم يكن أخطر من هذا المرض إلا الجهل بحقيقته وعدم إدراك أسبابه فكان التشخيص الخاطئ سبباً في العلاج الخاطئ ،الذي جاء بمضاعفات جديدة .

ولقد خيل للأمة أن هذا الداء العضال يمكن مداواته باستعارات ساذجة ومظاهرجوفاء وترقيعات صفيقة تتلقاها جميعها من الكفار الذين أصبحت تخجل من أن تسميهم بهذا الاسم ، بل أسمتهم "العالم المتحضر " و "الأمم الراقية " !!
وكان استعدادنا الذاتي وقابليتنا للذوبان هما المبرر الأكبر للحرب النفسية الشرسة التي نسميها "الغزو الفكري" تلك التي استهدفت مقومات وجودنا وأسس أصالتنا .

وجاءت طلائع الغزو الفكري – كما هو الحال في سبل الشيطان – متعددة الشعارات ،متباينة الاتجاهات ،عليها من البهرجة والبريق ما يكفي لتضليل وإغراء أمة منبهرة مهزوزة
.