السعودية على خطى الإمارات والبحرين تمهد لامتلاك الطاقة النووية:

خطت السعوديةُ أولى خطواتها في مجال امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، بتوقيع مذكرة تعاونٍ مع الولايات المتحدة، تمهد الطريق لتسلم السعودية يورانيوم مخصبًا لمفاعلات نووية تقيمها مستقبلاً دون الحاجة إلى القيام بعملية التخصيب بأنفسهم.

وبتوقيع تلك المذكرة تصبح السعودية ثالث دولة خليجية توقع اتفاقًا من هذا النوع بعد الإمارات والبحرين.

ويقول خبراءُ سعوديون إن توقيع هذه المذكرة يتزامن مع قفزاتٍ كبيرة في أسعار البترول دفعت بأسعاره إلى مستوى يقترب من 130 دولارًا للبرميل، مع توقعات بمواصلة الصعود إلى 200 دولار، وهو ما يوفر الأموال اللازمة لإقامة المفاعلات النووية، مؤكدين أهمية قيام السعودية بتطوير موارد للطاقة النووية السلمية لاستخدامها في مجالات الطب والصناعة وتوليد الطاقة وتحلية المياه التي يزداد الطلب عليها، وبخاصة أن السعودية هي أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

واعتبر الخبراءُ في تصريحاتٍ لموقع "الأسواق.نت" أن توقيع المذكرة بداية دخول السعودية عصر الطاقة النووية، وهو ما سيؤدي إلى التنويع في الاقتصاد السعودي، والحفاظ على البترول والغاز باعتبارهما ثروة ناضبة.

وتمتلك السعوديةُ ربع احتياطي العالم من النفط، وهي أكبر مصدر له حيث يبلغ إنتاجها أكثر من 9 ملايين برميل يوميا.

ووقعت الرياضُ وواشنطن مذكرة التعاون النووي أمس الأول الجمعة 16-5-2008، خلال زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش للسعودية، وأعلن البيت الأبيض في بيان أن المذكرة تهدف إلى إبراز دور المملكة القيادي كنموذج إيجابي لمنع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، في إشارةٍ إلى إيران.

وتقول واشنطن إن برنامج إيران النووي هو غطاء لمساعيها للحصول على أسلحة نووية وهو ما تنفيه إيران بشدة، وعملية تخصيب اليورانيوم هي عملية يمكن أن ينتج عنها وقود لمحطات نووية كما يمكن أن تكون نواة لقنبلة نووية.


أهمية البرنامج النووي

ويؤكد أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور بكر بن حمزة خشيم، أهمية امتلاك السعودية لبرنامج نووي سلمي، محذرًا من أن تزايد الطلب الخليجي على الكهرباء بنسبة 8 % سنويًا يثير الفزع.

وقال خشيم في حديثه لـ"الأسواق.نت": إن احتياجات منطقة الخليج من الطاقة في تزايد، وخاصةً أن استهلاك الفرد فيها من الطاقة يزيد ثلاثة أضعاف عما عليه الحال في أوروبا، لكنه برر ذلك بأن نحو 60% من هذا الاستهلاك يذهب إلى التبريد ومكيفات الهواء.

ورأى أن استهلاك الدول الخليجية خلال السنوات الخمس الماضية وتوقعات العقدين المقبلين من الطاقة تؤكد أن "الوضع خطر".

وأضاف أن الطاقة التي تحتاجها دول الخليج في الوقت الراهن- وخاصةً السعودية- لا يمكن توفيرها إلا عبر المولدات التي تعمل بالبترول، لافتًا إلى أنها تنتج حاليًا نحو 95% من احتياجات المنطقة.

وأشار إلى أن الأمور لا يمكن أن تسير على تلك الوتيرة وخصوصًا مع الارتفاع المستمر في أسعار البترول، وتوقعات بلوغه مستوى 200 دولار، وفي المستقبل ومع تضاعف هذه الاحتياجات فإن البديل هو الطاقة النووية.

وشدد خشيم على ضرورة استغلال دول الخليج الطفرة الحالية في أسعار النفط ليكون لديها برامج نووية للأغراض السلمية، مؤكدًا أن دول الخليج معنية بإيجاد أكثر من بديل للنفط والغاز، لتوفير الكهرباء وتحلية المياه والتي باتت تعتبر عصب الحياة فيها.

وأكد أن السعودية بحاجة إلى تنويع مصادرها من الطاقة والاتجاه نحو مصادر الطاقة البديلة ومن بينها الطاقة النووية لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء والمياه، ولاسيما في ظل الطفرة التنموية التي تعيشها دول المنطقة وتزايد أعداد العمالة الوافدة إليها.

ولفت إلى أن هناك الكثير من المجالات التي يمكن أن تستفيد من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية من دون الاقتصار فقط على توليد الكهرباء ومن بينها الاستخدامات الطبية.


الاستفادة من كل مصادر الطاقة

بدوره ركَّز الدكتور سليم الرحمن من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، في حديثه لـ"الأسواق.نت" على مصادر الطاقة البديلة، رغم تأكيده على أهمية الطاقة النووية للسعودية مع النمو الكبير الذي تشهده المملكة.

وقال لموقعنا إن منطقة الخليج تتميز بوفرة الرياح التي يمكن أن تولد الطاقة، كما أنها تمتلك قدرًا كبيرًا من الطاقة الشمسية، ولكن ولسوء الحظ لم يتخذ شيء تقريبًا للاستفادة من هذه المصادر مقارنةً مع ما يحدث في أوروبا وأمريكا الشمالية.

وأكد أن المنطقة تتوافر فيها أيضًا التمويلات الوفيرة اللازمة للاستثمار بفضل ارتفاع أسعار النفط، بالإضافة إلى ذلك فان المواد الهيدروكربونية يمكن أن تستخدم لتصنيع العديد من المواد والمعدات بدلاً من حرقها أو توظيفها لتوليد الكهرباء، ومن هنا بات على دول مجلس التعاون تكثيف نشاطاتها ذات الصلة بمصادر الطاقة المتجددة.

وأشار إلى أن هناك تحركات تجري بالفعل في هذه المنطقة، فالسعودية أعلنت أخيرًا عن تخصيص أموال لإجراء بحوث في مجالي التغيرات المناخية والطاقة المتجددة، فيما أطلقت الإمارات العربية المتحدة مبادرة تبحث عن تعزيز اتجاهات توفير الطاقات المتجددة.

وشدَّد على أن دول مجلس التعاون تمتلك إمكانيات هائلة لإنتاج مصادر الطاقة المتجددة، وهناك من العوامل ما يشجع على استخدام هذه المصادر، ومنها وجود الخلايا الكهروضوئية وتوربينات الرياح وتوافر مادة السليكا النقية نسبيًا، مع رخص كلفة الأرض واليد العاملة.


المفاضلة بين "النووي" والطاقة المتجددة

أما عميد كلية القانون والعلوم السياسية في جامعة الملك سعود الدكتور صالح المانع، فركَّز على وجود رأيين حيال الموضوع النووي يتنازعان دول مجلس التعاون، الأول متحمس للشروع في بناء القدرات النووية الخليجية، للأغراض المدنية البحتة، خصوصًا لتحلية المياه وإنتاج الطاقة الكهربائية وللاستخدام في مجال البحوث الزراعية والطبية.

أما وجهة النظر الثانية فترى أن هناك علاقة استراتيجية بين دول الخليج والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، وأن هذه العلاقة تدعم الاستقرار في المنطقة، ولا ترى أن ثمة حاجة إلى الاندفاع باتجاه بناء قدرات نووية، لأنهم يرون أن الوضع الأمني والاستراتيجي القائم في المنطقة لا بأس به، ويعتقدون أن الانسحاب الأمريكي من العراق لا يعني بالضرورة تراجع الولايات المتحدة عن التزامها أمن الخليج.

وأكد أن السعودية ودول الخليج أمام خيار تاريخي لا يجب أن تهدره أو تقصر في استكمال جوانبه، حيث إن هذا التقصير سيكون في حق أبنائنا وأحفادنا، وهذا ما لا تقبله جميعًا.


توجه خليجي وعربي

وكانت دولُ مجلس التعاون الخليجي قد قررت في ديسمبر/ كانون الأول عام 2006 إطلاق برنامج للطاقة النووية، واتفقت على إقامة مشروع خليجي بحثي مشترك لهذا الغرض، وذلك بهدف تأهيل وتدريب الكفاءات الوطنية، على أن محطات الطاقة سيجري تشييدها من قبل كل دولة على حدة، ولم تطرح فكرة بناء مفاعل نووي مشترك.

وعقد الفريقُ الخليجي المكلف بمتابعة إعداد دراسة الجدوى الأولية لاستخدامات الطاقة النووية اجتماعه الأول مع وفد خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مايو/ أيار عام 2007 في الرياض، وجرى الاتفاق حينها على أن تقوم الوكالة بإعداد هذه الدراسة حول هذا الموضوع.

ومن الأمور الأساسية التي تقرر أن تتضمنها دراسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مراجعة التقديرات الكمية للطلب المحلي في دول المجلس على الطاقة الكهربائية والمياه العذبة حتى العام 2030 وبحث الخيارات الفنية للإيفاء باحتياجات هذه الدول من الطاقة النووية، مقارنةً بمصادر الطاقة الهيدروكربونية.

وكان مجلسُ جامعة الدول العربية قرر في وقت سابق ضرورةَ اعتماد الدول العربية على الطاقة النووية السلمية، وأن تقوم المراكز البحثية العربية بدورها الجاد، ودعا الدول العربية إلى بدء التوسع باستخدام التقنيات النووية السلمية للطاقة النووية، لدعم التنمية.

واتخذ المجلسُ عددًا من التوصيات والإجراءات التنفيذية من أهمها إنشاء هيئات ومؤسسات تهتم باستخدام الطاقة النووية السلمية في الدول العربية، وإنشاء هيئات رقابية وطنية تُعنى بمراقبة استخدام هذه الطاقة، وإنشاء المفاعلات النووية لأغراض البحث العلمي، وتنمية وإدارة الموارد المائية باستخدام التقنيات النووية، وتنشيط التعاون العربي في مجالات إنتاج النظائر المشعة المستخدمة في الطب.


تحديات الطلب المتسارع على الكهرباء

ويؤكد خبراءُ الطاقة أن الدول الخليجية تحتاج لمضاعفة طاقتها الإنتاجية من الكهرباء والمياه لمواجهة تحديات الطلب المتنامي على الكهرباء والموارد المائية في المنطقة.

وبحسب تقارير شبه رسمية فان دول الخليج ستحتاج إلى 100 ألف ميغاوات من الطاقة الإضافية خلال السنوات العشر القادمة لمقابلة متطلباتها، بحسب مجلس الطاقة العالمي.

ووفقًا لتوقعات الخبراء فإن توجه دول الخليج نحو الطاقة النووية، سينحصر في إنشاء مفاعلات صغيرة للبحث العلمي، وربما لتحلية المياه وللاستخدامات الطبية على مستوى محدود، من أجل إنشاء قاعدة علمية وطنية من الخبراء والمهندسين والتقنين النوويين، الذين يمكن أن يطوروا هذا المجال بشكل أكبر في المستقبل.