بسم الله الرحمن الرحيم

كيف تتصرفين حال حدوث خلاف بينكما ؟!

لابد وأن يحصل خلاف حاد بين الزوجين .. لكن المؤسف أن كثيراً من هذه الخلافات تكون على شيء تافه ، وإنما سوء التصرف أثناء وقوع الخلاف يجعله يتطور ويصل إلى الهجر ، وربما ذهبت الزوجة إلى بيت أهلها ، أو وصل إلى حد الطلاق ، عدا ما له من آثار شديدة الخطورة على نفسيات الأبناء ، ذلك أن الغضب يعمي صاحبه ، فلا تسمع أذنه إلا صوت الشيطان ووسوسته ونفثاته ، ولا يرى إلا واقعاً يصوره الشيطان ويضخمه حتى إذا سكت الغضب وعاد العقل المغيب ندم الزوجان ولات ساعة مندم .. ولا يندم إلا من خسر شيئاً عظيماً ، وهل من خسارة أعظم من فقد البيت والأبناء ؟!

إذن لا تخسري بيتك وزوجك وأبناءك وسعادتك من أجل لحظة لا تحسنين التصرف فيها.

إحدى الأخوات كان زوجها يحبها حباً عظيماً وصل إلى حد العشق لدرجة أنه كتب لها مزرعة باسمها وشقته كذلك ، فلما عاتبه أهله ولاموه على ذلك . قال : والله لو أملك أن أكتب لها ثيابي لكتبت ، ثم تشاجر معها ذات مرة فرفعت صوتها عليه ، وبدأ كل منهما يقذف على الآخر الشتائم والتهم فهددها بالزواج عليها ، فسخرت منه وتحدته بكبرياء، ضناً منها بأن حبه لها سيمنعها ، ثم خرج من عندها وفي أقل من شهر إذا به يرقد في أحضان امرأة أخرى . لترقد هي في جحيم لحظة لم تحسن التصرف فيها .

هذه قصة واقعية .... وليست من نسج الخيال .. ولما رأيته من خطورة هذا الموضوع وتكرره بشكل دائم في حياتنا ،

أفردت له هذه المساحة من الكتاب لعلها تأخذ بيدك إلى طريق الحكمة في مواجهة لحظة الخلاف ، والتأثير على الزوج في موضوع الخلاف . فاقرأي هذه الخطوات :

أولاً : إذا رأيت زوجك غاضباً وبدأ يصرخ ويشتم ويتهم فالزمي الصمت ، الزمي الصمت ، الزمي الصمت ... حتى ولو كان قلبك يغلي كأزيز المرجل وقد امتلأ بالغيظ والقهر مما تسعينه منه ، وأكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ومن الاستغفار فإنهما يثبتانك بإذن الله وهذا مجرب كثيراً .

إنك بصمتك تغلقين الباب في وجه الشياطين ، والذي هو أحرص ما يكون عند هذه اللحظات فقد ورد في الحديث الصحيح " أن إبليس ينصب عرشه على البحر ثم يرسل جنوده من الشياطين ليغووا بني آدم فيأتيه من يقول : لازلت بفلان حتى زنى ، والآخر يقول لازلت به حتى قتل ، وهو يقول لهم : لم تفعلوا شيئاً . حتى إذا جاء به من يقول : لازلت به حتى فرقت بينه وبين زوجته يقول له إبليس : أنت ، أنت ، ويقر به منه ويدنيه".

أيتها اللبيبة : هل من الحكمة والعقل أن تجدي ناراً تشتعل فتصبي فوقها بنزيناً وأنت تعتقدين بأنه سيطفئها !!
لا أشك بأنك ستقولين : لا ...

إذن تذكري بأن نقاشك معه في تلك اللحظة هو البنزين الذي تصبينه على قلب زوجك فيشتعل أكثر .

وإن خدعك الشيطان وقال لك : (( ناقشيه ليفهم فقط فيسكت ويقتنع ))

فتذكري في تلك اللحظة بأنه :

لن يفهم ... لن يفهم .... لن يفهم .

إذ لا يمكن في جو مثل هذا الجو المشحون أن تحلي مشكلة ولا تفهمي زوجك أي شيء ، لأن كليكما غاضب ، والعقل مغيب ، والنفسية سيئة للغاية ، والشيطان يجلب بخيله ورجله .

يقول صلى الله عليه وسلم : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) إنك في تلك اللحظة وبالذات إذا كنت عصبية لن تقولي خيراً أبداً ، ولذا فيجب عليك الصمت إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر . وكوني ممن مدحهم الله بقوله : ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ .

فالرجل بطبيعته عصبي ، سريع الاستثارة ، وإذا غضب لا يميز ما أمامه من خلفه ، وليس من الحكمة أبداً أن تناطحيه كما يتناطح الرجال ، وأن تشتدي كلما اشتد وتثوري كلما ثار ، بل إذا اشتد فأرخي وإذا لان فتدللي .

يقول الكاتب عبدالله الجعيثن في كتابه المبدع (( فن الاستمتاع بالحياة )) : (( إذا تناطح رأسان ناشفان آلما معاً ، وإذا تصارعت إدارتان قويتان انكسرت إحداهما وانكسرت معها الكرامة )) .

ثانياً : إذا كنت من النوع العصبي قد لا تستطيعين التزام الصمت عند وقوع الخلاف فاخرجي فوراً من الغرفة التي هو فيها .

ثالثاً : إذا كنت من النوع الحليم الهادئ فلا تلزمي الصمت بل حاولي امتصاص غضبه في تلك اللحظة بلمسة حنان تمرين بها على وجهه وجسده وتحتضيننه فيها ، أو ابتسامة هادئة تشرق من فمك لتطفئ النار في جوفه . وتردفين معها كلمة طيبة رقيقة تطيبين بها خاطره مثلاً : (( مالك إلا ما يرضيك ، ما عاش من يزعلك ....)) وغيرها . وتأملي الحديث : (( فليقل خيراً أو ليصمت )) . فقدم قول الخير على الصمت والكلمة الطيبة التي تمتصين بها غضبه هو من قول الخير المقدم على الصمت .

رابعاً : والجئي إلى الله بالدعاء والصلاة بأن يفتح على قلبك لأحسن التصرف معه ، وأن يفتح على قلبه ويريكما الحق حقاً ويرزقكما اتباعه ، ويريكما الباطل باطلاً ويرزقكما اجتنابه ، وستجدين بعد هذا الدعاء بأن ما في قلبك قد غسل ، وما فيه خير لك تيسرين للعمل به تيسيراً وهذه من بركات الدعاء .

والدعاء لابد أن يكون في كل الأوقات ، لكن بعد وقوع الخلاف وقبل الحديث مع الزوج يكون أكثر ضرورة .

خامساً: تجملي لزوجك بلبس أجمل الثياب وأكمل الزينة . وضعي العطور ورشي البخور ثم اذهبي إليه لتفاتحيه في موضوعك وأؤكد على ضرورة أن لا تتحدثي إليه إلا بعد تهيؤ وتجمل لأن تزينك له يجعله يشعر بأنك مقبلة عليه لأجل رضاه وإسعاده لا لأجل مخاصمته ومحاكمته ، كما أن تزينك له يهيؤه نفسياً لك ولكل ما تقولين ، وفيه أيضاً استجابة لأمر الله تعالى : ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[فصلت: من الآية34] ، ولكن تذكري باقي الآية : ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: من الآية35] .

سادساً : اذهبي إليه بخطى هادئة وأنت تنظرين إليه نظرة يستشف منها الحب والشوق الحنان ، وتبسمي في وجهه ثم إذا دنوت منه فضعي يدك في يده وقولي له وأنت تمسحين بيدك على أجزاء من جسده : (( والله لا أذوق غمضاً حتى ترضى )) ستخجله هذه المعاملة اللطيفة منك رغم أنه هو المخطئ والمسيء ، وسيحفظها لك في قلبه ،

وسيفتح لك سمعه وبصره وعقله وقلبه في تلك الساعة الجميلة ، ثم ناقشيه في سبب الخلاف الذي حصل .

قد تقولين بأن في ذلك (( مثالية )) ، أو لا يمكن لامرأة مجروحة الكرامة أن تتحلى بكل هذه الأريحية وتدوس على كل مشاعر الغضب التي يغلي منها فؤادها ، وتقوم بكل بلادة لتبتسم وتتزين وتداعب وكأنه قدم لها هدية .

أعود يا أختي المسلمة لأذكرك بقوله تعالى : ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: من الآية35] .

لكن نتائجها الهائلة ستجعلك تعاودين الكرة بكل سعادة وتسنين موضوع الكرامة المزيف ، والذي لم تحصلي عليه حتى الآن رغم كل براكين الغضب التي فجرتها على مدى سنوات زواجك ، وستجدين زوجاً كأنه ولي حميم لا يحيد عن رهن إشارتك طرفة عين .

إحدى الأخوات تقول : (( كنت أنا وزوجي في شجار دائم ولا نكاد نرتاح من الشجار أسبوعاً واحداً إلا ونعود إليه ، وكلما أعطاني كلمة أعطيته عشراً ، وما كنت أقصد إيذاءه أو إغضابه ، وإنما أريد الحديث معه إفهامه فقد وتبرئة ساحتي ، ولكني وجدته لا يفهمني ولا يصدقني فيما أقول ، وإنما يصب عليَّ سيلاً من الشتائم المقززة مما يجعلني أغضب منه وأهجره لأيام وربما لأسابيع ، ثم لا أخرج بنتيجة لأنه لا يعتذر ولا يعترف بخطأ ، ولا حتى يتحسن سلوكه وتفكيره في المستقبل .

وفي ليلة من الليالي اتصلت بإحدى صديقاتي وكنت هاجرة لزوجي إثر خلاف بيننا ، فاشتكيت لها لتسليني فإذا بها . تضع اللوم عليَّ في هذه الطريقة السيئة لمواجهة الخلاف والتي لا تُخلِّف سوى خلافات دائمة ، ثم قالت : قومي الآن والبسي أجمل ثيابك وسرحي شعرك وضعي عطراً يحبه ثم أقبلي عليه بخطى فيها دلال وهدوء وتغنج ، وابتسمي في وجهه وانظري إليه وأنت تسيرين إليه ، حتى إذا دنوت منه فضعي يدك في يده وقولي (( والله لا أذوق غمضاً حتى ترضى )) ثم فاتحيه في موضوعك بعد قليل من المداعبات .

قمت صليت العشاء ودعوت الله أن يعينني ويفتح على قلبي وقلبه ثم نفذت وصيتها بكل إتقان وبراعة .
ماذا تتوقعون النتيجة ؟!

لقد فوجئ زوجي وذهل – لكنها مفاجأة لذيذة بلا شك – واستجاب لي استجابة ما كنت أعهدها فيه من قبل ، فهو في السابق كجلمود صخر لا يغير رأيه شيء . بل إن أشد ما أثار عجبي هو تلك الدمعة الحانية التي تحدرت منه وأنا أشكوه بعبْرة وأتحدث إليه ، وما أعقبها من أسف . واعتذر – أقسم بالله العظيم – ما اعتذر لي زوجي في حياتي قط إلا في تلك اللحظة .

لأول مرة في حياتي أعلم بأن زوجي بهذه الحرقة والطيبة ، ولكني ما كنت أعرف الطريق إلى قلبه حتى اهتديت إليه الآن ...!!

انتظروا البقيه أخواتي ....