الفاطميون

وفي الفترة الفاطمية تعرضتفلسطين لهزات أرضية عنيفة: منها التي حدثت سنة 407 هـ/ 1016 م، والتي أدت إلى إصابةقبة الصخرة وإتلاف بعض أجزاء القبة الكبيرة، حيث بدئ بترميمها في عهد الخليفةالفاطمي الحاكم بأمر الله (386 – 411هـ/ 996-1021) واستكمل في عهد ولده الخليفةالظاهر لإعزاز دين الله (411-427هـ/1021-1036م). وقد اشتملت الترميمات على القبةوزخارفها وتمت على يدي علي بن أحمد في سنة 413هـ/1022 م، وذلك حسب ما ورد في الشريطالكتابي الواقع في الدهليز الموجود في رقبة القبة.

الاحتلال الصليبي

لقد عانت قبة الصخرة كثيراً مثلماعانت معظم المساجد الإسلامية في فلسطين من الاحتلال الصليبي .
فعندما احتلالصليبيون بيت المقدس سنة 493هـ/ 1099م، قاموا بتحويل مسجد قبة الصخرة إلى كنيسةعرفت بذلك الوقت باسم "هيكل السيد العظيم، فانتهكوا قدسيتها وبنوا فوق الصخرةمذبحاً ووضعوا فيها الصور والتماثيل. مبيحين في ذلك ما حرمه الإسلام في أماكنهالمقدسة.

ومن الطريف بالأمر أن قساوسة ذلك الوقت اعتادوا على المتاجرةبأجزاء من الصخرة، كانوا يقتطعوها من الصخرة ليبيعوها للحجاج والزوار ليعودوا بهذهالقطع إلى بلادهم بحجة التبرك والتيمن بها. وعلى ما يبدو أنها كانت تجارة رابحةجداً للقساوسة، حيث كانون يبيعون تلك القطع بوزنها ذهباً، الأمر الذي حدا بملوكالفرنج إلى كسوة الصخرة بالرخام وإحاطتها بحاجز حديدي مشبك لحمايتها والإبقاء عليهاخوفاً من زوالها إذا استمر القساوسة بهذه التجارة.

الأيوبيون

ولم يشأ الله عز وجل أن يطيل معاناة قبةالصخرة المشرفة من ذلك الاحتلال الغاشم، حتى هيأ سبحانه وتعالى القائد الجليل صلاحالدين (564 – 589 هجرية/ 1169-1193 ميلادية) لتحرير فلسطين واستردادها من الصليبيينسنة 583هجرية/ 1187 ميلادية.
وبذلك تطهرت قبة الصخرة المشرفة من النجس الذي كانعالقاً بها، حيث قام صلاح الدين بإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الصليبيين وإزالةجميع بصماتهم التي وضعوها عليها، فقد قام بإزالة المذبح الذي أضافوه فوق الصخرةوالبلاط الرخامي الذي كسوا به الصخرة والصور والتماثيل، وكذلك أمر بعمل صيانةوترميم لما يحتاجه المبنى، حيث تم تجديد تذهيب القبة من الداخل وذلك حسب ما نجدهاليوم مكتوباً من خلال الشريط الكتابي الواقع بداخل القبة والذي جاء فيه ما نصه: ((بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتجديد تذهيب هذه القبة الشريفة مولانا السلطانالملك الناصر العالم العادل العامل صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته. وذلك في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة)) .
هذا ولم يغفل المجاهد صلاح الدين عنمتابعة مبنى قبة الصخرة والحفاظ عليها، فنراه قد رتب للمسجد إماماً وعين لخدمتهسدنة ووقف عليه الوقوفات لكي ينفق ريعها لصالح قبة الصخرة المشرفة.
وقد استمرالأيوبيون بعد صلاح الدين بالاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها، حيث تشير المصادرالتاريخية إلى أن معظمهم كانوا يكنسون الصخرة بأيديهم ثم يغسلونها بماء الوردباستمرار لتظل نظيفة معطرة، كما أن الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين (589-595هجرية/ 1193-1198ميلادية)، قام بوضع الحاجز الخشبي الذي يحيط الصخرة لحمايتها بدلاًمن الحاجز الحديدي الذي وضعه الصليبيون .

المماليك

وفي الفترة المملوكية لم ينس سلاطينالمماليك متابعة الاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها. فقد قام السلطان الملك الظاهربيبرس (658 – 676هجرية/ 1260 – 1277ميلادية) بتجديد الزخارف الفسيفسائية التي تكسوالأقسام العلوية الواقعة في واجهات التثمينة الخارجية وذلك سنة 699 هجرية/ 1270ميلادية.

أما السلطان الناصر محمد بن قلاوون وفي فترة سلطنته الثالثة (709 –741هجرية/ 1309-1340 ميلادية) والذي اعتبر من مشاهير سلاطين المماليك الذين اهتموابالإنجازات المعمارية بصورة عامة، مثله مثل الوليد بن عبد الملك في الفترة الأموية،فقد قام السلطان ابن قلاوون بأعمال صيانة وترميم عديدة في قبة الصخرة نذكر منها: تجديد وتذهيب القبة من الداخل والخارج في سنة 718 هجرية/ 1318 ميلادية) وذلك حسب ماورد بالشريط الكتابي الموجود في أعلى رقبة الداخلية حيث جاء ما نصه ((بسم اللهالرحمن الرحيم. أمر بتجديد وتذهيب هذه القبة مع القبة الفوقانية برصاصها مولانا ظلالله في أرضه القائم بسنته وفرضه السلطان محمد بن الملك المنصور الشهيد قلاوونتغمده الله برحمته. وذلك في سنة ثمان عشرة وسبع مائة)). وكما أنه قام بتبليط فناء (صحن) قبة الصخرة المشرفة الذي يحيط بها .
وفي عهد السلطان الملك الظاهر برقوقوفي فترة سلطنته الأولى (784-791هجرية/ 1382 –1389ميلادية)، تم تجديد دكة المؤذنينالواقعة إلى الغرب من باب المغارة مقابل الباب الجنوبي (القبلي) لقبة الصخرة، وذلكفي سنة 789هجرية/ 1387ميلادية) على يدي نائبه بالقدس محمد بن السيفي بهادر الظاهرينائب السلطنة الشريفة بالقدس وناظر الحرمين الشريفين، حسب ما ورد في النص التذكاريالموجود عليها.
وفي عهد السلطان الملك الظاهر جقمق (842 – 857هجرية/ 1438 – 1453ميلادية)، تم ترميم قسم من سقف قبة الصخرة الذي تعرض للحريق إثر صاعقة عنيفة.
وقد حافظ سلاطين المماليك على استمرارية صيانة وترميم قبة الصخرة والحفاظ عليهاإما عن طريق الترميمات الفعلية أو عن طريق الوقوفات التي كانت بمثابة الرصيد الماليالدائم لكي يضمن النفقات والمصاريف على مصلحة مسجد قبة الصخرة المشرفة. فعلى مايبدو أنه في حال لم يكن هناك ترميمات، اهتم السلاطين برصد الأموال اللازمة لها فيحين الحاجة، فنجد السلطان الملك الأشرف برسباي (825-841هجرية/ 1422-1437ميلادية)،قد أمر بشراء الضياع والقرى ووقفها لرصد ريعها للنفقة على قبة الصخرة المشرفة، حيثجاء في النص الوقفي ما نصه: ((جدده وأنشأه ناظر الحرمين الشريفين أثابه الله الجنةوهو مشتراه مما ثمره من مال الوقف من أجور المسقفات في كل شهر ألفا درهم خارجاً عنتكملة جوامك المستحقين وما جدده وأنشأه من الحمام الخراب بحارة حواصل قرية العوجاءوالنويعمة بالغور ومرتب الجرجان الواردين تمامه وأن يصرف جميع متحصل ذلك برسم عمارةالمسجد الأقصى الشريف والصخرة الشريفة مهما حصل من ذلك يرصد حاصلاً لصندوق الصخرةالمشرفة أرصد ذلك جميعه برسم العمارة خاصة إرصاداً صحيحاً شرعياً بمقتضى المرسومالشريف المعين تاريخه أعلاه ورسم أن ينقش ذلك في هذه الرخامة حسنة جارية في صحائفمولانا السلطان الملك الأشرف برسباي خلد الله ملكه على مستمرة الدوام الشهوروالأعوام فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ومضاف إلى ذلك فائضالزيت والجوالي اللهم من فضل هذا الخير وكان سبب فيه جازه الجنة والنعيم ومن غيرهأو نقصه جازه العذاب الأليم في الدنيا والآخرة)) .

العثمانيون

نستطيع القول أن تاريخ بناء قبة الصخرةالمشرفة قد دخل مرحلة جديدة وطويلة في الفترة العثمانية التي استمرت أربعة قرون،حيث لم تنقص أهمية المحافظة والصيانة لقبة الصخرة، بل قل إنها زادت وتضاعفت.
فكان أول سلاطين العثمانيين الذين اهتموا بقبة الصخرة ورعايتها، هو السلطانسليمان القانوني (926-974هجرية/ 1520-1566ميلادية)، الذي استطاع أن يصبغ قبة الصخرةبالفن العثماني من خلال مشروعه الكبير المشار إليه في نقشه التذكاري الموجود فوقالباب الشمالي لقبة الصخرة والذي اشتمل على استبدال الزخارف الفسيفسائية التي كانتتغطي واجهات التثمينة الخارجية والتي ظلت قائمة منذ الفترة الأموية، فترة تأسيسوبناء قبة الصخرة وحتى الفترة العثمانية، وقد استبدلت بالبلاط القاشاني المزججوالملون في سنة 959هجرية/ 1552ميلادية، مما أكسب قبة الصخرة روعة وجمالاً فائقين منالخارج كما هي من الداخل .
كما قام بتجديد النوافذ الجصية الواقعة في رقبةالقبة وذلك في سنة 945هجرية/ 1538ميلادية .
ولقد حرص سلاطين العثمانيين بشدةخلال فترات توليهم الطويلة على استمرارية الحفاظ على مسجد قبة الصخرة، حتى أنهمقاموا بتشكيل لجنة لتختص بشؤون إعمار قبة الصخرة والمسجد الأقصى، تألفت من شيخالحرم وأمين البناء وأمين الدفتر.
ومن مشاريع الترميمات العثمانية المهمة تلكالتي أنجزت في عهدي السلطانين عبد المجيد الأول (1255-1277 هجرية/ 1839-1861ميلادية)، والسلطان عبدالعزيز (1277-1293هجرية/ 1861-1876ميلادية)، حيث تمإنجاز أعمال ترميمات ضخمة استمرت مدة من الزمن، كلفت خزينة الدولة أموالاً طائلة،حيث استدعي خبراء ومهندسون من خارج البلاد لتقوية وصيانة المبنى الأساسي للقبةوزخارفها من الداخل والخارج.
وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1293-1327هجرية/ 1876-1909ميلادية)، تم كتابة سورة (يس) الموجودة حالياً في أعلى واجهاتالتثمينة الخارجية، وقد كتبت بالخط الثلث على القاشاني، كما أمر السلطان عبد الحميدبفرش مسجد قبة الصخرة المشرفة بالسجاد الثمين.
ومن الجدير بالإشارة إلى القبةالصغيرة التي تقوم إلى الغرب من مدخل المغارة والتي على ما يظهر أنها أضيفت فيالفترة العثمانية والتي عرفت بحجرة شعرات النبي عليه السلام، وقد قال المؤرخالمقدسي الجليل عارف العارف بخصوصها ما نصه(.. وقد عهد إلى آل الشهابي من الأسرالقديمة في بيت المقدس بمهمة الاحتفاظ بهاتين الشعرتين من شعر النبي ويحتفل القومبها مرة في كل سنة، .. في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان..)) .

المجلس الإسلامي الأعلى

هذا وقد أخذ المجلس الإسلاميالأعلى على عاتقه مسؤولية الحفاظ على قبة الصخرة المشرفة، حيث قام في الفترة ما بين 1936-1948م، بأعمال الترميم اللازمة والضرورية فيها مستعيناً بالخبراء والمختصين فيهذا المجال.
وقد استمرت الترميمات في العهد الأردني، حيث سنت الحكومة الأردنيةفي سنة 1954م، قانون أسمته (قانون إعمار المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفةلسنة 1954م)، خولت فيه مجلس الوزراء تعيين لجنة لإعمار المسجدين. ومنذ ذلك الحينوحتى هذا اليوم واللجنة تقوم بمسؤولياتها تجاه إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرةالمشرفة. .